للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: هذا التعليل كيف يستقيم؟ ولا فرق في فساد مثل هذه الصفقة بين عقدين كلاهما لازم كالبيع والإجارة وبين عقدين، أحدهما: لازم، والثاني: غير لازم، قلنا: هذا التعليل دليل على أن مراد الشافعي بتصوير المسألة أن لا يجعل أحد العقدين شرطا في الثاني كما توهمناه وعللنا له، ولكن صورة مسألته أن يقول: كاتبتك وبعت منك هذا الثوب بألف درهم فجعل الألف ثمن الثوب ومال الكتابة، وذكر الأجل والنجوم فإذا تصور العقد بهذه الصورة ففيه قولان، أحدهما: وبه أجاب ههنا أنهما باطلان للعلة التي ذكرناها وهي أنهما عقدان مختلفان جمعهما في صفقة واحدة لأن البيع يلزم بكل حال، والكتابة لا تلزم متى شاء تركها، والثاني: أن العقدين صحيحان ومن أصحابنا من قال: البيع باطل قولا واحدا وفي الكتابة قولان، لأن أحد شطري البيع لاقى عبده القن ولا يصح مبايعة السيد عبده، ويمكن أن يجاب عنه بأن البيع يقع مع الكتابة فلا يؤدي إلى أن يبيع من عبده القن، وإنما يقع البيع من مكاتبه، فأما إذا تصورت المسألة إذا قال: [٥١/ ب] كاتبتك على أن تشتري مني هذا العبد بكذا، فالكتابة باطلة قولا واحدًا، وهي باب البيعتين في بيعة واحدة فلو أدى النجوم ههنا عتق وتراجعا بالقيمة سواء باعه ذلك الشيء أو لم يبعه لأنه لم يجعل البيع صفة في العتاق يقف العتاق على وجودها، وإنما الصفة أداء النجوم، وهذا شرط زائد فاسد، وقال القاضي الطبري في الصورة الأولى لا يختلف المذهب أن البيع باطل لما ذكرنا من العلة. وأما الكتابة قال أبو إسحاق: يبطل أيضا لوجهين، أحدهما: ما ذكرنا أنه جمع بين عقدين مختلفين الحكم، واثاني: أنه جمع بين الصحيح والفاسد بثمن واحد ونص الشافعي في «الأم» على فساد الكتابة، ونقله المزني، وذكر في «الإفصاح» في المسألة وجهين، أحدهما: يبطلان، والثاني: يصحان، وهو خطأ لا شك فيه لأن البيع لا يصح قولاً واحدًا، وإذا صححنا الكتابة وحدها، فهي بجميع العوض فعليه أداء جميع النجوم، والثاني: بحصته فتوزع النجوم على قيمته وقيمة الثوب، ولا فائدة في إثبات الخيار لمكان هذا التفريق لأن المكاتب أبدًا بالخيار، وإذا قلنا: الكتابة فاسدة فعليه إذا جمع النجوم لتحصل الصفة فيعتق به، ثم يتراجعان بالقيمة، وقال بعض أصحابنا بخراسان: ويحتمل قولا آخر أنه إذا أدى ما يخص قيمته من النجوم عتق وتراجعا بالقيمة الكاملة، ولو أفرد الكتابة بالعوض عن البيع فسد البيع وصحت الكتابة، ولو كاتبه كتابة صحيحة ثم اشترى السيد من مكاتبه، أو المكاتب من سيده كان جائزًا [٥٢/ أ] لأن السيد حينئذ ممنوع من مال مكاتبه نص عليه في «الأم».

فرع

قال ابن سريج على دينارين: دينار بعد شهر، ودينار يؤديه بعد شهرين على أنه إذا أدى الدينار الأول عتق وأدى الدينار الآخر وهو حر كان فيه قولان، قال بعض أصحابنا: بنى هذه المسألة على الأصل الذي ذكرناه وهو أن الصفقة اشتملت على كتابة وعتق بصفة يقع قبل الأداء وهما مختلفا الأحكام فإن الكتابة من شأنها أن لا يقع العتق

<<  <  ج: ص:  >  >>