للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه قولان: أحدهما: لا يصح لأن العتق إنما يصح من مالك تام الملك، وليس له ذلك لأنه يقتضي الولاء وهو مملوك لا يثبت الولاء له لأنه يجوز أن يعتق فيثبت عليه الولاء ومن كان ممن يثبت عليه الولاء لا يجوز أن تثبت له الولاء، والثاني: يجوز لأن إيقاع الحرية تمليك العبد نفسه فملكه بإذن السيد كالهبة، وهذان القولان من فروع التبرعات. وقال القفال: إن قلنا: تبرعاته لا تجوز إلا بإذن سيده فهو أولى أن لا يجوز، وإن قلنا: ذلك يجوز فههنا قولان. وحكى المزني عن «الإملاء» على مسائل مالك أنه قال: إذا كاتب المكاتب عبده لا يجوز، وإذا أدى المال لم يعتق كما لو أعتقه لم يعتق، ثم اختار هذا القول، وهذا التشبيه مشكل لأنه يوهم فرقًا بين الكتابة والعتق، وليس كذلك لأن القولين في إعتاقه كالقولين في كتابته فيحتمل أن يكون مراده بقوله: كما لو أعتقه لم يعتق إذا كان بغير إذن سيده ولا يبعد أن يقيس الكتابة في حال إذن السيد على الكتابة في حالة عدم الإذن أو على الإذن في حالة عدم الأخذ يعني: نقصان ملكه في الحالين، وقيل قصد الشافعي أن يبين أن الكتابة تبرع كالإعتاق، فلا يصح من المكاتب دون إذن سيده كيلا يظن ظان أن الكتابة كالبيع فتصح دون إذن السيد، وقيل: هذا لأن للشافعي قولين في كتابة المكاتب عبده، وفي إعتاقه بإذن السيد قولان ولكن نضه في «الإملاء» يدل [١١٧/ أ] على وجوب الترتيب وكيفية الترتيب ما ذكر القفال، والفرق أن بالكتابة يستفيد عوضًا وفي زيادة ماله منفعة سيده ولا يستفيد بالإعتاق عوضًا، فافترقا، وقال أبو إسحاق: القياس ما اختار المزني لولا ما فيه من الشفعة، فإذا قلنا: لا يصح، فالعتق لا ينفذ والكتابة باطلة والعبد باق على ملكه فإن أدى المال إليه لم يعتق لأنه إنما العتق في الكتابة الفاسدة بأداء المال إذا كان السيد ممن يملك العتق المباشر وههنا لا يملك ذلك، وإذا قلنا: يصح العتق والكتابة تصح أيضًا، فأدى المال وعتق وهو بعد لم يعتق، فلمن يكون الولاء قولان: أحدهما: أنه موقوف، فإن عجز المكاتب كان للسيد، وإن أدى وعتق كان له لأن حكم المكاتب في نفسه وماله موقوف ولأن المكاتب باشر العتق فيستحيل أن يكون الولاء للسيد الذي لم يباشره فيوقف عليه، ثم صور الشافعي رضي الله عنه فائدة الوقف فقال: «فإن مات عبد المكاتب المعتق بعدما يعتق وقف من ميراثه في قول من يقف الميراث كما وصفت، فإن عتق المكاتب الأول فهو له، وإن مات أو عجز فلسيد المكاتب إذا كان حيًا يوم يموت، وإن كان ميتًا فلورثته من الرجال ميراثه»، وإنما قال من الرجال لأن النساء لا يرثن بالولاء إلا في مباشرة العتاق. وقال أبو حامد على هذا القول: في هذه المسألة قولان: أحدهما، ما ذكرنا، والثاني: ميراثه لسيده لأن الولاء يجوز أن يتوقف فيثبت لشخص ثم ينجر الولاء إلى غيره والميراث لا يجوز لأن يتوقف قط، [١١٧/ ب] ولأن السيد وارث في الحال، فلم ينتظر في المكاتب أن يصير وارثًا كالحر إذا مات وخلف

<<  <  ج: ص:  >  >>