واختلف أصحابنا في وجوب القسم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إجماعهم على وجوب القسم على أمته على وجهين:
أحدهما: كان واجباً عليه لهذا الخبر ولما رويناه أنه كان يقم بينهن ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك يعني قلبه، وطيف به في مرضه على نسائه محمولاً حتى حللته من القسم فدل على وجوب القسم عليه وعلى جميع أمته.
والثاني: أنه غير واجب عليه وان كان واجباً على أمته وهذا قول أبي سعيد الإصطخري لقول الله تعالي" {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ}[الأحزاب: ٥١] ولأن وجوب القسم عليه يقطعه عن التشاغل بتبليغ الرسالة وتوقع الوحي وبهذا المعنى فارق جميع أمته.
فصل:
فإذا استقر بما ذكرنا أن هبة القسم جائزة فإنما تجوز برضا الزوج لأن له حق الاستمتاع بها فلم يكن لها أن تنفرد بإسقاط حقه منها إلا برضاه فإذا رضي بهبتها صار مسقطاً لحقه في الاستمتاع بها فتعتبر حينئذٍ حال هبتها فإنها لا تخلو من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن تهب ذلك لامرأة بعينها من نسائه.
والثاني: أن تهب ذلك لجميعهن.
والثالث: أن تهب ذلك للزوج فإن وهبت قسمها لامرأة بعينها كما وهبت سودة يومها لعائشة رضي الله عنها جاز ولم يعتبر فيه رضي الموهوب لها في تمكين الزوج من الاستمتاع بها كما لا يراعى ذلك في زمان نفسها فيصير لها يوم نفسها ويوم الواهبة وهل يجمع الزوج لها بين اليومين أو تكون على ما كان عليه من الافتراق على وجهين:
أحدهما: يجمع لها بينهما ولا يفرقهما كما لا يفرق عليها يومها.
والثاني: أن يكون اليومان على تفريقهما يختص بيوم نفسها فإذا جاء يوم الواهبة على ترتيبه جعله لها ولم يجمع بينهما إذا كان في الترتيب مفترقين لأنها قد أقيمت فيه مقام الواهبة فلم يعدل به عن زمانه كما لا يعدل به عن مقداره وهذا أشبه وأما إن وهبت يومها لجميع نسائه من غير أن تخص به واحدة منهن بعينها فيسقط حقها من القسم ولا يتعين به قسم غيرها ويكون في حال القسم بعد هبتها كحاله لو عدمت فيصير مؤثراً في إسقاط حقها ولا يؤثر في زيادة حق غيرها وإنما يختص تأثيره إذا كن مع الواهبة أربعاً إن كان يعود يوم كل واحدة بعد ثلاثة أيام فصار يعود بعد يومين وأما إن وهبت يومها لزوجها فله أن يجعل يومها لمن أراد من نسائه فإذا جعله لواحدة منهن بعينها اختصت باليومين دون غيرها وفي جمعه وتفرقته ما ذكرنا من الوجهين فلو أواد الزوج أن ينقل يوم الهبة في كل نوبة إلى أخرى جاز فيجعل يوم الهبة في هذه النوبة لعمرة وفي النوبة الأخرى لحفصة وفي النوبة الثالثة لهند فيكون ذلك محمولاً على خياره لأنها هبة فجاز أن يختص بها من شاء.