للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علا، فهذا على ضربين:

أحدهما: أن يقترن بعرف الاستعمال في الاختلاف بينهما عرف الشرع وهو إقامة الحدود التي لا يقيمها في الشرع والعرف إلا أولو الأمر من ذي ولاية وسلطان، فيحنث الآمر بها إن كان من أولي الأمر وإن لم يباشرها، كما قيل جلد النبي صلى الله عليه وسلم زانيًا، ورجم ماعزًا وقطع سارقًا، ولا يحنث بها غير أولي الأمر حتى يباشرها بفعله، لأنه غير نافذ الأسر فيهما.

والثاني: أن ينفرد الاختلاف بينهما بعرف الاستعمال دون عرف الشرع، فيباشره من دنا، ولا يباشره من علا تنزعًا وتصونًا كعقود البيوع والأشربة وتأدية العبيد والخدم، فينقسم حال الحالف والمحلوف عليه ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يكون عرف الحالف جاريًا بمباشرته كرجل من عوام السوقة حلف لا باع ولا اشترى، ولا تزوج ولا طلق، ولا ضرب عبدًا، ولا أدب خادمًا، فإذا أمر غيره بأن باع له واشترى وزوجه وطلق عنه وضرب عبده وأدب خادمه لم يحنث في هذا كله، وقال مالك: يحنث في هذا كله، وقال أبو حنيفة: إن كان هذا العقد مما إذا باشره الوكيل إضافة إلى نفسه كالشري، يقول: اشتريت هذه الدار لموكلي لم يحنث الموكل، وإن كان مما لا يضيفه إلى نفسه كالنكاح يقول: قبلت هذا النكاح لموكلي، ولا يقول: نكحت لموكلي، كما يقول: اشتريت لموكلي حنث الموكل، وكلا المذهبين مدخول، والصحيح أن جميعها سواء في أنه لا يحنث الآمر بهما والموكل فيها إذا كان العرف بمباشرته لها جاريًا، لأن الأيمان تحمل على حقائق الأسماء والأفعال، ما لم ينقلها عرف الحقيقة في هذه الأفعال بمباشرتها، والعرف مقترن بها، فلم يجز أن يعدل في الأمر بها عن الحقيقة والعرف إلى مجاز تجرد عن العرف فعلى هذا لو حلف على امرأته أنه لا يطلقها فرد إليها الطلاق، فطلقت نفسها لم يحنث، لأنه لا يكون مطلقًا، وإنما يكون مخيرًا في الطلاق، ولو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، فدخلتها طلقت وحنث، لأنه مطلق لها على صفة وقعت منها فلذلك افترقا.

والثاني: أن يكون عرف الحالف جاريًا بالاستنابة دون مباشرته، وإن باشره استنكرته النفوس منه، كالسلطان أو من قاربه في رتبته إذا خلف، لا باع ولا اشترى، ولا ضرب عبدًا، ولا أدب خادمًا، فإذا وكل في البيع والشراء وأمر بضرب عبده وبأدب خادمه ففي حنثه قولان:

أحدهما: تفرد البيع بنقله وتفرد بعض أصحاب الشافعي، أنه يحنث اعتبارًا بالعرف، لأن العرف قد صار مقترنًا بالمجاز دون الحقيقة، والعرف ناقل، كما لو حلف: لا أكلت رؤوسًا، لم يحنث برؤوس الطير والجراد، وإن وجد حقيقة الاسم فيها، لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>