العرف لما اختص برؤوس الغنم نقل عما عداها حقيقة الاسم.
والثاني: وهو الأظهر، وما عليه الأكثرون من أصحابنا أنه لا يحنث، لأن الحقيقة فيها المباشرة لها دون الأمر بها والحقيقة لا تنقل إلا بعرف عام، كما قيل في الرؤوس، وهذا عرف خاص، فلم يجز أن ينتقل به الحقيقة، كما لو حلف سلطان: لا أكلت خبزًأ ولا لبست ثوبًا، فأكل خبز الذرة ولبس عباءة حنث وإن لم تجر عادته بأكل الذرة ولبس العباءة، لأنه عرف خاص وليس بعام، فلذلك ساوى فيه عرف العموم فكذلك في هذه العقود.
والثالث: أن يكون عرف الحالف جاريًا بالاستنابة فيه، لكن إن باشره لم تستنكر النفوس منه، ولا تستقبحه، كالنكاح والطلاق والعتق، لا يستقبح من السلطان أن يباشر بنفسه، فإذا حلف سلطان لا تنكح ولا طلق، ولا أعتق، فوكل في النكاح والطلاق والعتاق فقد اختلف أصحابنا هل يعتبر حكم عرفة أو يعتبر ما تستنكره النفوس من فعله، على وجهين:
أحدهما: يعتبر حكم عرفة، لأنه أخص به، فعلى هذا في حنثه قولان.
والثاني: يعتبر ما لا تستنكره النفوس من فعله، لأنه أعم فعلى هذا لا يحنث قولاً واحدًا والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي:"ومن حلف لا يفعل فعلين أو لا يكون أمران، لم يحنث حتى يكونا جميعًا وحتى يأكل كل الذي حلف أن لا يأكله".
قال في الحاوي: عقد اليمين على فعلين ضربان:
أحدهما: أن يعقد على إثباتهما.
والثاني: أن يعقد على نفيهما.
فإن كانت معقودة على إثباتهما كقوله: والله لآكلن هذين الرغيفين، ولألبسن هذين الثوبين، ولأركبن هاتين الدابتين، فلا خلاف بين القضاء أنه لا يبر إلا بفعلهما فيأكل الرغيفين، يلبس الثوبين ويركب الدابتين، فإن أكل إحدى الرغيفين ولبس أحد الثوبين وركب إحدى الدابتين لم يبر، وهذا متفق عليه، وإن كانت اليمين معقودة على نفي فقال: والله لا أكلت هذين الرغيفين، ولا لبست هذين الثوبين، ولا ركبت هاتين الدابتين، فمذهب الشافعي وأبي حنيفة أنه لا يحنث إلا بهما، كما لا يبر إلا بهما، فإن أكل أحد الرغيفين، ولبس أحد الثوبين، وركب إحدى الدابتين لم يحنث.
وقال مالك: يحنث بفعل أحدهما، وإن لم يبر إلا بهما وفرق بينهما من وجهين: