لك بها أحكام هذه الأقسام.
فصل ثان:
وأما الخنف فعلى ضربين:
أحدهما: بآلة وهو أن يربط حلقة بحبل حتى يختنق فيمنع النفس ففيه القود، لأنه ربما كان أوحى من السيف، وسواء علقه بحبل أو أرسله فإن عفي عنه صح العفو، وسقط القود، وسواء تكرر منه الخنق أو لم يتكرر.
وقال أبو يوسف: إن تكرر منه الخنف لم يصح العفو عنه، وتحتم عليه القتل كالمحارب، لأنه قد صار ساعياً في الأرض بالفساد وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أنه لو انحتم قتل من تكرر منه الخنق لا نحتم قتل من تكرر منه القتل بالسيف وهو غير منحتم، وإن تكرر وكذلك الخنق.
والثاني: أنه لو صار في انحتام قتله كالمحارب لما اعتبر تكرار منه كما لم يعتبر في المحارب.
والضرب الثاني: أن يخنقه بغير آلة مثل أن يمسك حلقه بيده حتى يمنع نفسه ولا يرفعها عنه حتى يموت فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يقدر المخنوق على خلاص نفسه لفضل قوته على قوة الخانق فهذا هو قاتل نفسه، ولا قود له وفي وجوب الدية قولان ممن أمر غيره بقتله.
فإن قيل: فمن أريدت نفسه فلم يدفع عنها حتى قتل لم يسقط عن قائله القود فهو كان حال هذا المخنوق كذلك.
قلنا: لأن سبب القتل في المخنوق موجود، فكان تركه إبراء وسببه في الطالب غير موجود، فلم يكن في الإمساك قبل حدوث السبب إبراء.
والثاني: أن لا يقدر على خلاص نفسه لفضل الخانق على قوته فعليه القود فلو رفع الخانق يده، أو حل خناقه، وفي المخنوق حياة ثم مات، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون نفسه ضعيفاً كالأنين والشهيق فعليه القود، ويكون بقاء هذا النفس كبقاء حركة المذبوح.
والثاني: أن يكون نفسه قوياً فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يقرب موته من حل خناقه فعليه القود لدنوه من سبب القتل.
والثاني: أن يتأخر موته عن حل خناقه فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون ضميناً مريضاً من وقت خناقه إلى حين موته فعليه القود، لأن استدامة مرضه دليل على سراية خناقه.
والثاني: أن يكون بعد خناقه على معهود صحته ثم يموت، فلا قود عليه ولا دية، كما لو جرح فاندمل جرحه، ثم مات.