ودليلنا قول الله تعالى: {وإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [النحل ١٢٦] والمثل مثلان: مثل في الخلقة, ومثل في القيمة, وليست الكف الناقصة مثلًا في الخلقة ولا مثلًا في القيمة فلم تكافيء ما فضلت عنها في الخلقة والقيمة, وإذا عدم مثل الخلقة في الناقصة أوجب العدول إلي مثلها في القيمة وهي الدية, ولأن كل عضو أخذ قودًا إذا كان موجودًا أخذت ديته إذا كان مفقودًا كما لو قطع أصابعه وكان للقاطع بعضها, ولأن المقطوع مخير بين القصاص والدية, فلما لم يؤثر نقصان كفه في نقصان الدية لم يؤثر نقصانها في نقصان القصاص.
فأما جمعه بين النفوس والأطراف فقد تقد الفرق بينهما, وأما اعتباره بالشلل فلا يصح, لأن الشلاء تامة الأصابع ناقصة المنافع, وهذه ناقصة الأصابع والمنافع فافترقا, وأما اعتباره بوضع السكين, في موضعهما من المقطوع, فإن استويا في الوضع فقد اختلفا في التمام فلم يجز أن يستوفي الناقص بالتام.
فصل:
وإن كان كف المقطوع ناقصة الأصابع وكف القاطع كاملة الأصابع لم يقتص من كفه الكاملة بكف ناقصة, ويلزم أبا حنيفة أن يقول بهذا كما قاله في نقصان كف القاطع وكمال كف المقطوع, فإن قاله فقد جرى فيهما على قياس, وإن لم يقله فقد ناقض ومذهبه في الموضعين مسمى على القياس.
فإذا كانت كف المقطوع ناقصة إصبعًا سقط القصاص في كف القاطع لزيادة أصبعه التي لا قصاص فيها ولا يمكن استيفاؤها مع قطع الكف, فوجب استيفاء الكف بها لحفظ الإصبع الزائدة, واقتص من أصابعه التي للمقطوع مثلها, واستبقى للقاطع الإصبع التي فقدت من المقطوع, وأخذ منه أرش الكف المستبقاة له, ولا يبلغ بأرشها دية إصبع, لأنها تبع للأصابع.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وإن كانت شلاء فله الخيار إن شاء اقتص بأن يأخذ أقل من حقه وإن شاء أخذ دية اليد".
قال في الحاوي: وهذا صحيح إذا قطع الأشل اليد يدًا سليمة لم تكن الشلاء مكافئة لها لنقصها عن كمال السلامة فإن أراد المقطوع أعطي دية سليمة فإن أراد القصاص من الشلاء بيده السليمة كان له, لأن أخذ الأنقص بالأكمل يجوز, وأخذ الأكمل بالأنقص لا يجوز, فإن أراد أن يقتص من الشلاء ليأخذ من الشلاء ليأخذ مع القصاص من الكاملة ويأخذ فضل الدية لم يجز, فإن خيف على القاطع الأشل إن قطعت يده الشلاء أن لا تندمل عروق الدم بالشلل