وهم قليل مستحقون به، وهموا به حتى دفعهم أبو طالب عمه عنه وكانوا ينالون من أصحابه فلما رأى ذلك قال لأصحابه:"لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً عادلاً إلى أن يجعل الله لكم فرجاً "فهاجر إليها من خاف على دينه وهي أول هجرة هاجر إليها المسلمون في رجب سنة خمس من المبعث فكان أول من خرج منهم أحد عشر رجلاً وأربع نسوة فيهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله صل الله عليه وسلم ثم خرج إثرهم جعفر بن أبي طالب في جماعة صاروا مع المتقدمين اثنين وثمانين نفراً وصادفوا في النجاشي ما حمدوه.
وكان قد أسلم قبل ذلك عمر ثم أسلم حمزة فجهر رسول الله صل الله عليه وسلم بالقرآن في صلاته حين أسلم حمزة ولم يكن يجهر قبل إسلامه، وقوي به المسلمون وقرأ عبد الله بن مسعود على المقام جهراً حتى سمع قريش فنالوه بالأيدي [١٥٩/ب] ثم رأت قريش من يدخل في الإسلام وعدوا رسول الله صل الله عليه وسلم أن يعطوه مالاً ويزوجوه من يشاء من نسائهم ويكف نسائهم ويكف عن ذكر آلهتهم قالوا: فإن لم تفعل فاعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة فأنزل الله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}[الكافرون: ١] إلى آخر السورة فكف عن ذلك وكان يتمنى من ربه تعالى أن يقارب قومه ويحرص على صلاحهم فأنزل الله تعالى سورة النجم فقرأها على قريش حتى بلغ صل الله عليه وسلم {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ والْعُزَّى (١٩) ومَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم: ١٩ - ٢٠] ألقى الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم ترتجى وانتهى إلى السجدة فسجد فيها وسجد المسلمون إتباعاً لأمره وسجد من في المسجد من المشركين لما سمعوا مدح آلهتهم وتفرق الناس من المسجد متقاربين قد سر المشركون وسكن المسلمون وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من المسلمين وقالوا أسلمت قريش فأنزل الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلاَّ إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}[الحج:٥٢] الآية ونسخ ما ألقى الشيطان بقوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الأُنثَى (٢١) تِلْكَ إذًًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم: ٢١ - ٢٢] فقالت قريش لما سمعوا النسخ: ندم محمد على ما ذكر من مدح آلهتنا وجاء بغيره فازدادوا شدة وشدة على من أسلم وقدم من عاد من أرض الحبشة وعرفوا قبل دخول مكة ما نسخ فمنهم من رجع إلى أرض الحبشة من طريقه ومنهم من دخل مكة مستخفياً [١٦٠/أ] ومنهم من دخل في جوار فدخل عثمان رضي الله عنه مع زوجته رقية في جوار عتبة بن ربيعة، ودخل جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود سراً وكانوا ثلاثة وثلاثين نفراً ثم عادوا إلى أرض الحبشة إلا عثمان فإنه أقام حتى هاجر إلى المدينة وهذه هي الهجرة الثانية. ثم لما اشتدت العداوة كادوا رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه بأمرين: أحدهما: أرسلوا إلى النجاشي فيمن هاجر إليه. والثاني: تحالفوا على بني هاشم وبني المطلب فيمن بقي مع رسول الله صل الله عليه وسلم على مقاطعتهم وأن يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى أقام أبو طالب على نصرة رسول الله صل الله عليه وسلم وجمع بين بني هاشم وبني المطلب مسلمهم وكافرهم وعاهدهم على اجتماع الكلمة ودخول الشعب فأجابوه إلا أبا لهبٍ وولده فإنهم انحازوا عنهم إلى