للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قريش وأقام رسول الله صل الله عليه وسلم في الشعب مع أبي طالبٍ وسائر بني هاشم وبني المطلب مدة ثلاث سنين لا يصل إليهم الطعام إلا سراً ولا يدخل عليهم أحد إلا مستخفياً إلى أن بدأ من قريش هشام بن عمرو فكلم زهير بن أبي أمية ثم كلم المطعم بن عدي يقبح لهما ما ارتكبوه من قطيعة الأرحام في بني هاشم وبني المطلب فوافقاه واجتمعوا من غدهم في نادي قريش على نقض عهدهم وبدأ بالكلام [١٦٠/ب] هشام بن عمرٍو فرد عليه أبو جهلٍ، ثم تكلم زهيرٌ ومطعمٌ بمثل كلام هشامِ فقال أبو جهلٍ: هذا أمرٌ أبرم بليلٍ.

وكانوا كتبوا صحيفةً وعلقوها في سقف الكعبة فأحضرت الصحيفة من سقف الكعبة وقد أكلتها الأرض إلا قولهم باسمك اللهم فإنه بقي وشلَّت يد كاتبها وهو منصور بن عكرمة وخرج بنو هاشمٍ وبنو المطلب مع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى مكة منتشرين فيها كما كانوا. ثم لم يزل ما كانوا على الصلح لم يصل إليه مكروهٌ حتى مات عمه أبو طالبٍ وماتت خديجة في عامٍ واحدٍ وذلك قبل هجرته إلى المدينة بثلاث سنين فناله الأذى بعد ذلك نثر بعض سفهاء قريشِ التراب على رأسه فدخل بيته قرأت إحدى بناته على رأسه التراب فبكت فقال لها: لا تبكي فإن الله تعالى يمنع أباك وخرج إلى الطائف ليمتنع ويستنصر بثقيف فلما انتهى إليها عمد إلى ساداتها وهم ثلاثة أخوةٍ عبد بالليل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير، فكلمهم ودعاهم إلى الإسلام فردوه رداً قبيحاً وأغروا به عبيدهم وضعفاءهم فاتبعوه يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه ورجعوا عنه، فمال إلى حائط كرم لعتبة وشيبة ابني ربيعة فاستند إليه يستروح مما ناله فرآه عتبة وشيبة فرقا له بالرحم وأَنفذا إليه طبق عنبٍ مع غلامٍ لهما نصرانيٍ يقال له: عداس فلما [١٦١/أ] مد يده ليأكل منه سمى الله تعالى فاستخبره عداس عن أمره فأخبره وعرف نبوته فقبَّل يده وقدمه، فلما عاد قال له عتبة وشيبة: رأيناك فعلت معه ما لم تفعله معنا قال: لأنه نبي فقالا: فتنك عن دينك ثم رجع رسول الله صل الله عليه وسلم يريد مكة حتى صار بنخلة اليمامة قام بالليل يصلي ويقرأ فمر به نفرٌ من الجن قيل: إنهم من جن نصيبين اليمن فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا كما قال الله تعالى: {وإذْ صَرَفْنَا إلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ} إلى قوله {طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الأحقاف: ٢٩ - ٣٠] وقدم رسول الله صل الله عليه وسلم مكة وقريش على أشد ما كانوا من الخلاف، وقيل: إنه قدم في جوار المطعم بن عدي ثم عرض نفسه عليهم فلم يقبلوه ثم أتى كلباً فعرض نفسه على بني عبد الله فلم يقبلوه ثم عرض نفسه على بني حنيفة فكانوا أقبح العرب رداً له ثم عرض نفسه على بني عامرٍ فقال زعيمهم: إن شاركتنا في هذا الأمر قبلناك فتركهم وقال: الأمر لله يؤتيه من يشاء ثم حضر الموسم ستة نفرٍ من الخزرج منهم أسعد بن زراره وعقبة بن عامر وجابر بن عبد الله فأتاهم ودعاهم إلى الإسلام [١٦١/ب] فأجابوا إليه وكانوا سمعوا يهود المدينة إذا قاتلوهم يقولون: لنا نبيٌّ يبعث ونحن ننتصر به عليكم فوقر ذلك في أنفسهم لما أراد الله تعالى بهم من الخير فلذلك سارعوا إلى الإجابة وعرض عليهم نفسه فقالوا نقدم على قومنا ونخبرهم بما دخلنا فيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>