وهذا كما قال: إذا أحلت النجاسة الأرض لا يخلو إما أن تكون مائعة أو جامدة، فإن كانت مائعةً قد ذكرنا حكمها، وإن كانت جامدة فعلى ضربين: عين قائمة، ومتفرقة، فإن كانت عيناً قائمةً كالفأرة الميتة والعصفور الميت، ونحو هذا من العذرة والسرجين، ينظر فيه، فإن كانت يابسة فالأرض لم تنجس فتزال عن المكان، ويصلى فيه كما لو حلت ثوبا فرماها عنه، وإن كانت رطبة بقيت نداوتها في الأرض بعدما أزالها يكون مكانها من الأرض كالبول على الأرض وقد مضى حكمه، وان كانت النجاسة عيناً متفرقة فيها كأجزاء الميتة والسرجين، فلا يطهر المكان بمكاثرة الماء، وإنما يطهو بقلع المكان حتى يحيط العلم أنه لم يبق من أعيان النجاسة شيء، وإن أراد أن يصلي في هذا الموضع قبل قلع التراب لم يجز حتى يطينه بطين طاهر، فيصير حائلاً بينه وبين النجاسة، أو يفرش عليها بساطاً طاهراً، فإذا فعل هذا كره له أن يصلي على هذا الحائل، لأنه على نجاسة كالمقبرة الجديدة ويجوز، لأنه محل طاهر، وعلى هذا هذه الطرقات التي تلكها البهائم وتروث فيها، ويختلط روثها بترابها كذلك.
مسألة: قال: "وإن ضرب لبن فيه بول لم يطهر إلا مما تطهر به الأرض".
وهذا كما قال: إذا ضرب اللبن من تراب نجس فهو نجس، لا يجوز أن يصلي عليه ولا حاملاً له، وإن طبخ بالنار، فإن النار: لا تطهر شيئاً.
وقال أبو حنيفة رحمه الله:"يطهر بالطبخ بالنار"، حتى قال في السرجين:"إذا صار رماداً بالنار طهر"، وحكي عنه أنه قال:"لو وقع خنزير في ملاحة فصار ملحاً طهر"، واحتج بأن الاستحالة أبلغ في إزالة النجاسة من الماء، ولهذا تطهر الحمر بالاستحالة [١٧٩ ب / ٢]، وهذا غلط، لأن هذا لم ينجس بالاستحالة، فلا يطهر بها بخلاف العصير، فهو ينجس بالاستحالة، إذا مار خمراً، فطهر بالاستحالة.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: إذا كانت نجاسته بمائع يصير طاهراً في قول مخرج مما قال الشافعي في "الإملاء" في الحجر المستنجي به إذا أصابته الشمس وذهب أثر النجاسة يحكم بطهارته، لأن النار أبلغ في هذا المعنى من الشمس. وكان الشيخ أبو زيد يقول:"وإن قلنا: لا يطهر بالشمس ينبغي أن يطهر بالنار، لأن النار أبلغ تأثيراً من الشمس"، وربما قالوا: فيه وجهان. وذكروا الوجهين في السرجين إذا صار بطبع التراب، وصار رماداً بالنار، وكذا في الخنزير أو الكلب إذا صار ملحاً.
وهذا الذي اختاره أبو زيد أسهل على الناس فيضطرون إلى هذه الفتوى في كثير من البلاد وأفتى به بعض مشايخنا الذين رأيتهم، ولكنه خلاف منصوص الشافعي، وظاهر المذهب، وعلى المذهب الظاهر إذا سجر تنوراً بالرقين فعلق به دخانه، ثم لصق به الرغيف ينجس أسفله، ولو وقع في وسط التنور على الرماد نجس أيضاً. والوجه أن يكبح التنور بشيء يابس، ثم يلصق به الرغيف، فإذا تقرر هذا، قال الشافعي رضي الله