للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} وروى خريم بن فاتك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعدلت شهادة الزور بالاشتراك ثلاث مرات وتلا هذه الآية. فإذا ثبت عند الحاكم أن شاهداً شهد بزور عزره وأشهره [١٢/ ٦٨ أ] وإنما يثبت على رجل بالقتل أو الزنا والحاكم يعلم أنه ما قتل ولا زنا إذ كذبته المشاهدة أن يشهد بقطع يد رجل ثم وجدنا يديه صحيحتين ونحو ذلك، وأما إذا شهد شاهدان أنه أقر بأنه شهد بزور لا يثبت بذلك شهادة الزور عليه لجواز أن يكونا كذبا كذبا في شهادتهما عليه، وإن قالا: نشهد أنه كاذب في شهادته لا يقبل لأنهما ينفيان أن يكون هذا الحق ثابتاً والشهادة على النفي تقبل ولا يؤثر هذا في القضاء بعد القضاء، ولكن لو أقيمت الشهادة بذلك قبل القضاء لم يقذ القاضي بتلك الشهادة فأما إذا كذبته المشاهدة فلابد من نقض الحكم بلا إشكال.

والأصل في تعزيره إذا تحققنا منه بما ذكرنا ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يجلد شاهد الزور أربعين وروى ابن المنذر أن عمر رضي الله عنه جلد شاهد الزور أربعين سوطاً، وروي أنه أتى بشاهد زور فوقفه للناس يوماً إلى الليل يقول: هذا فلان شهد بزور فاعرفوه ثم حبسه، وروي أنه ظهر على شاهد زور فضربه أحد عشر سوطاً ثم قال: لا تأسروا الناس بشهود الزور فإنه لا نقبل من الشهود إلا العدل، وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان إذا أخذ شاهد زور بعث به إلى عشيرته فقال: إن هذا شاهد زور فاعرفوه وعرفوه، ثم خلى سبيله لأنه أتى [١٢/ ٦٨ ب] بكبيرة لا يجب فيها الحد فاستحق التعزير والأمر في التعزير عندنا مردود إلى اجتهاد الإمام، فإن رأى أن يضر به أقل من أقل الحدود وهو دون أربعين فغاية تعزيره تسعة وثلاثون سوطاً، وإن رأى أن يحبسه مع ذلك فعل، وإن رأى أن لا يضر به لأنه شيخ ضعيف ويحبسه فعل ذلك، وإن رأى أن ينادى عليه فقط فعل ذلك، وقال مالك رحمه الله: يجوز أن يزيد في تعزيره على أكثر الحدود وقال ابن أبي ليلى لا يبلغ بها المائة ويجوز ما دونها، وقال أبو يوسف: يجوز ما دون الثمانين. والأصل في تشهيره والنداء عليه ما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اذكروا الفاجر بما فيه لكي يعرفه الناس ". وروي: لكي يحذره الناس، ولأنه إذا شهره يجتنبه الناس ويحذروه وإذا لم يفعل ذلك ربما اغتروا به. وكيفية التشهير أن يبعث معه ثقة إلى المواضع التي يعرف فيها فإن كان من أهل الأسواق ففي سوقه، وإن كان من أهل المساجد ففي مسجده قال الشافعي رحمة الله عليه: وإن كان من أهل قبيله وقفه في قبيله، وإن كان من قبيله وقفه في قبيلته والفرق بين القبيلة والقبيل أن القبيلة بنو الأب الواحد والقبيل الأخلاط المجتمعون من آباء شتى فيقول المنادي: السلام عليكم هذا فلان ابن فلان [١٢/ ٦٩ أ] قد عرفناه بشهادة الزور فاعرفوه، وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: لا يعزر بل تكفي الشهرة، ذكره الطحاوي والمشهور أنه لا يعزر ولا يشهر ولا يجوز أن يزد على ما ذكرنا

<<  <  ج: ص:  >  >>