للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل

اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في القاضي إذا علم شيئاً ولم يشهد عنده به شهود هل يجوز أن يقضي بعلمه؟ فقال في أحد القولين: لا يجوز سواء كان في حقوق الله تعالى أو حقوق الآدميين وسواء علمه قبل القضاء أو بعده ولكن يكون شاهداً به يشهد غيره وقول الشافعي أحد القولين أنه كشاهد لم يرد به أن شاهداً آخر لو شهد عند القاضي صار الحاكم كالشاهد الثاني حين يقضي ولكن المراد به ما ذكرنا [١٢/ ٧٠ أ] أنه عند قاض آخر كشاهد حتى لو شهد معه الشاهد الثاني قضى ذلك القاضي به وبه قال شريح والشعبي ومالك والأوزاعي وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن وأبو عبيد.

والقول الثاني: قاله في "الأم": يجوز أن يحكم بعلمه واختاره في كتاب "الرسالة" وهو اختيار المزني وبه قال أبو يوسف والربيع: وهو الصحيح، ولا فرق بين أن يعلم في ولايته أو في موضع عمله أو غيره وقال أبو حنيفة: إن علمه قبل ولايته يحكم، وكذلك إن علمه في غير موضع عمله، وإن كان في عمله بعد ولايته حكم به، وروي عن محمد مثله وروي عن ابن أبي ليلى أنه قال: يحكم بما علمه في مجلس قضائه ولا يحكم بما علمه في غيره ووجه القول الأول ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في قصة الحضرمي والكندي شاهداك أو يمينه ليس لك منه إلا ذاك، وروي عن عمر رضي الله عنه: أنه تداعى عنده رجلان فقال له أحدهما: أنت شاهدي فقال: "إن شئت شهدت لك ولا أحكم، أو أحكم ولا أشهد". وروي أن عمر قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما: أرأيت لو رأيت رجلاً قتل أو سرق أو زنا قال: شهادتك شهادة رجل من المسلمين قال: أصبت وسئل الشعبي عن رجل كانت عنده شهادة فجعل قاضياً فقال أتي شريح: في ذلك [١٢/ ٧٠ ب] فقال: أنت الأمير. وأنا شاهداك وقال شريح: القضاء جمر فادفع الجمر عنك بعودين. ووجه القول الثاني ما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنعن أحدكم مخافة الناس إذا رأى الحق يقوم به ويعمل به قال أبو سعيد: وددت أني لم أسمع هذا الخبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي "لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول الحق إذا رآه أو سمعه"، وروي أو علمه. وروي أنه قال: في خطبته ولا يمنعكم مخافة الناس من أنفسكم أن تقولوا بالحق إذا علمتم، وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنعن أحدكم مخافة أن يتكلم بحق إن علمه فما زال البلاء حتى قصرنا، وروى سعد بن الأطول: أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم وترك عيالا فأردت أن أنفقها على عياله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أخاك

<<  <  ج: ص:  >  >>