في مدة الإقامة ثم آل الأمر إلى اثني عشر. وروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما إذا نوى إقامة عثرة أيام أتم وإلا قصر وبه قال الحسن بن صالح بن حي، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سبعة عشر يوماً، وبه قال إسحاق في رواية [٥٠ ب / ٣] وقال الليث في رواية: أكثر من خمسة عشر يوماً، وبه قال سعيد بن جبير، وقال الحسن البصري رحمه الله: إذا دخل البلد أتم، وقالت عائشة رضي الله عنها: إذا وضع المسافر رحله أتم وسواء كان في البلد أو خارجه.
وقال ربيعة: إذا نوى إقامة يوم وليلة أتم وإلا قصر، وروي عن أحمد رحمه الله أنه قال: إن نوى مقام مدة يؤدي فيها أكثر من عشرين صلاة أتم، وروي هذا عن عائشة رضي الله عنها وهو قريب من مذهبنا، وبه قال ابن المنذر، وحكي عن أنس رضي الله عنه أنه أقام بنيسابور سنتين وكان يقصر فيهما، وروى النخعي أن علقمة أقام بخوارزم سنتين وكان يقصر فيهما.
واحتج الشافعي رحمه الله عليه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً"، وأراد بالمهاجر الذين هاجروا من مكة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة كان حراماً عليهم بعد ذلك أن يقيموا بمكة، فرخص لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن حج منهم أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه، ولم يرخص في أكثر من ذلك، فدل أن ما زاد يكون في حد الإقامة ولما روي أنه أقام بمنى ثلاثاً يقصر الصلاة، وبما روى [٥١ أ / ٣] ابن عمر رضي الله عنه أجلى أهل الذمة من الحجاز وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في مرضه الذي توفي فيه:"لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ولو عشت لأخرجت اليهود والنصارى من جزيرة العرب"، فلم يعش إلى قابل، ولم يتفرغ لذلك بعده أبو بكر رضي الله عنه فلما آل الأمر إلى عمر رضي الله عنه، جمع من كان في جزيرة العرب وهي بلاد الحجاز مكة والمدينة والطائف ومخاليفها وأمرهم بالانجلاء منها، وضرب لمن يقدم منهم تاجراً مقام ثلاثة أيام أي قدر ولم يقدر أكثر من ذلك يدل أن ذلك مقام السفر وما جاوزه مقام الإقامة.
واحتج أبو حنيفة رحمه الله بما روى مجاهد عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا إذا قدمت بلدة وأنت مسافر، وفي نفسك أن تقيم بها خمسة عشر ليلة فأكمل الصلاة ولا مخالف لهما.
واحتج أحمد رحمه الله بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة صبيحة يوم الأحد وهو الرابح من ذي الحجة، وكان قد صلى الصبح قبل دخوله، فأقام بها تمام الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الصبح بها في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى، وكان يقصر في هذه الأيام. وصلاته [٥١ ب / ٣] في هذه المدة عشرون صلاة؛ قلنا: أما الأول: فقد روى الشافعي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: من أجمع إقامة أربع أتم.