وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يجوز الجمع لحق السفر أصلاً، وإنما يجوز لحق النسك [٧٣ ب / ٣] في موضعين. أحدهما بعرفة في يوم عرفة بين الظهر والعصر في وقت الظهر والثاني بمزدلفة ليلة النحر يجمع بين المغرب والعشاء في وقت العشاء، وبه قال النخعي، وكان الحسن ومكحول يكرهان الجمع في السفر بين الصلاتين قالوا: وفي السفر تؤخر الظهر إلى آخر وقتها ويعجل العصر في أول وقتها، وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يفعل ذلك وروي ذلك عن ابن سيرين، وقيل: إنه مذهب المزني رحمه الله وبقولنا قال ابن عباس وابن عمر، ومعاذ بن جبل، ومالك، والثوري، وعطاء، وسالم بن عبد الله، وطاوس، ومجاها، وأحمد، وإسحاق، وأبو موسى، وسعد بن أبي وقاص، واحتجوا بأن المواقيت ثبتت بالتواتر فلا يجوز تركها غير الواحد. وهذا غلط لما روى الشافعي رحمة الله عليه بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ألا أخبركم عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر فقالوا: بلى، فقال:"كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في الزوال، فإذا سافر قبل الزوال أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت [٧٤ أ / ٣] العصر"، وكذلك في المغرب والعشاء. وهذا نص ورواه ابن عمر وأنس أيضا.
وروى معاذ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كان يجمح في غزوة تبوك بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج فصلى الظهر والعصر، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً".
وروى نافع أن ابن عمر رضي الله عنه استصرخ على صفية وهو بمكة فسار حتى غربت الشمس وبات النجوم فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا عجل به أمر في سفر بين هاتين الصلاتين فسار حتى غاب الشفق ثم نزل فجمع بينهما. وروي أن ابن عمر كان يرجع من جرف أرعوه، فأخبر في الطريق بأن امرأتك صفية بالموت فأسرع السير، فلما غربت الشمس قلنا له: الصلاة فسكت حتى دخل وقت العشاء فنزل وجمع، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل إذا جد به السير والرواية الأولى أصح.
وقال أنس رضي الله عنه:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع [٧٤ ب / ٣] بينهما، قال: ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق"، ثم احتج الشافعي رحمه الله بالجمع في عرفة ومزدلفة فاستنبط منه المعنى وعدى إلى سائر الأسفار، وأما ما ذكروا قلنا: