وقال ابن عبد السلام: ليس هناك اتفاق، فإن ابن شعبان حكى في التحجير على الفاسق لأجل فسقه قولين.
قلت: وهذا يفتقر إلى تثبيت، فإن اللخمي والمازري لم ينقلاه مع كثرة نقل اللخمي عنه غرائب أقواله، وكذا أبو إبراهيم الفاسي لم ينقله، ونظرت الزاهي لابن شعبان فلم أجد فيه إلى قوله الحجر على البالغ بوجهين بإنفاق، ماله في غير الطاعة أو قلة حفظه وتضييعه.
قلت: صفة من يحجر عليه من الأحرار أن يكون يبذر ماله سرفاً في لذاته من الشرب، والفسق وغيره ظاهر أقوال أهل المذهب: أنه قسيم الرشد قسمة حقيقية لا واسطة بينهما، فعلى هذا السفه تتقرر حقيقته بتبذير المال اتفاقاً، وفي تقرره بعدم حسن القيام بتنميته أو بالفسق قولان مخرجان من القولين باعتبار حين التنمية وعدم الفسق، وفي كون السفه الموجب استئناف الحجر كالمانع أخذ المال، وشرطه بكونه بينا ظاهر نقلا المازري عن ابن القاسم وأشهب.
وأجاب ابن رشد برد حكم حاكم على غير مولى عليه بتحجير بيعه ربعه، وقال: إن ثبتسفهه حجر عليه مطلقاً وإلا فلا.
قلت: وفيه نظر لاحتمال ثبوت نهوض دليل سفه قبل تمامه، كفعل ما ادعى استحقاقه قبل تمام موجبه، وربما حكم به بعضهم، واختلفت عباراتهم في تقرر عدم الفسق، فالأكثر على العبارة عنه بمجرد لفظه؛ وهي طريقة ابن رشد والمازري والأكثر، وعبارة ابن حارث عن ابن الماجشون بجواز الشهادة، وأنكره المازري على الشافعية فقال: اعتبر محمد في الرشد كونه صالحاً في دينه، وكذلك الشافعي؛ لكنه غلا حتى شرط أن يكون مقبول الشهادة.
وتبع ابن شاس وابن الحاجب ابن حارث المازري في الإنفاق في جميع الجماعات لا كل الكثير من الطيبات في المبيتات، والموانسات أشكال، وأشار ابن القصار لإيجابه الحجر؛ ولكنه قال: إن كان ما فضل عن ذلك لا يتصدق به ولا يطعمه، فقوله: لا يطعمه بعد ذكر الصدقة ظاهره أنه أراد إطعامه لإخوانه، وهذا يشير إلى أنه يوجب الحجر، والحق اعتبار قلة المال من كثرته والتجربة وتنميته.