للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان الإمام المقلَّد قد سمع الحديث وتركه، لا سيَّما إن كان قد رواه أيضًا؛ فمثل هذا لا يكون عذرًا في ترك النص، فقد بيَّنا فيما كتبناه في «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» نحو عشرين عذرًا للأئمة في ترك العمل ببعض الحديث، وبيَّنا أنهم يعذرون في الترك لتلك الأعذار (١).

وأما نحن فلسنا معذورين في تركنا لهذا القول، فمن ترك الحديث لاعتقاده أن ظاهر القرآن يخالفه، أو القياس، أو عمل بعض الأمصار، وقد تبيَّن لآخَر أن ظاهر القرآن لا يخالِفه، وأن نصَّ الحديث الصحيح مُقدَّم على الظواهر، ومقدم على القياس والعمل؛ لم يكن عذرُ ذلك الرجل عذرًا في حقه، فإن ظهور


(١) شرع شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب عن شبهة يوردها المقلِّدة، وهي: أن الإمام المقلَّد مجتهد عالم بما ورد في الكتاب والسنة لا يفوته منها شيء، ولا شك أن هذه السنة بلغت الإمام ولم يعمل بها لعذر من الأعذار، وهو أعلم مني ومن غيري ممن ذكر الحديث.
وجواب الشبهة باختصار:
١ - … أن العالم إن كان ترك العمل بالحديث لعذر، فلسنا معذورين في ترك العمل به، ومجرد ترك الإمام للعمل به ليس عذرًا مقبولًا شرعًا.
٢ - … أن العالم وإن كان أعلم منا، فإن الأعلم قد يفوت عليه شيء يُدركه غيره، كما وقع ذلك لعلماء الصحابة مع غيرهم.
٣ - … أن هذا العالم قد خالفه عالم آخر قد يكون أعلم بالسنة منه، وليس أحدهما أولى بالتقليد من الآخر.
٤ - … أن فتح هذا الباب يؤدي إلى الإعراض عن الوحي بالكلية.
وقد أفاض الأمين الشنقيطي في الجواب عن هذه الشبهة في أضواء البيان ٧/ ٣٤١.

<<  <   >  >>