وَإِنْ قُلْتُمْ: بَلِ الِابْنُ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ، الَّذِي هُوَ الْكَلِمَةُ، الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ وَالْحِكْمَةُ، عَرَضٌ قَائِمٌ بِجَوْهَرِ الْأَبِ، لَيْسَ هُوَ جَوْهَرًا ثَانِيًا؛ فَقَدْ صَرَّحْتُمْ بِأَنَّ الرَّبَّ جَوْهَرٌ تَقُومُ بِهِ الْأَعْرَاضُ، وَقَدْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا فِي كَلَامِكُمْ، وَقُلْتُمْ: " هُوَ جَوْهَرٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْأَعْرَاضُ " وَقُلْتُمْ: " إِنَّ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ جَوَاهِرَ لَا تَقُومُ بِهَا الْأَعْرَاضُ، فَالْخَالِقُ أَوْلَى " وَهَذَا تَنَاقُضٌ بَيِّنٌ لَا حِيلَةَ فِيهِ لِمَنْ تَدَبَّرَ كَلَامَهُمْ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ.
فَإِنَّ كَلَامَهُمْ هَذَا يُوجِبُ أَنَّهُ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ، لَا يَقُومُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَعْرَاضِ.
وَهُمْ يَقُولُونَ: " جَوْهَرٌ وَاحِدٌ، ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ " وَسَوَاءٌ سَمَّوْهَا صِفَاتٍ أَوْ خَوَاصَّ أَوْ أَعْرَاضًا، أَوْ قَالُوا: الْأُقْنُومُ هُوَ الذَّاتُ وَالصِّفَةُ. فَيُقَالُ لَهُمْ: الرَّبُّ مَعَ الْأَقَانِيمِ: ثَلَاثَةُ جَوَاهِرَ أَوْ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ لَهُ ثَلَاثَةُ صِفَاتٍ، أَوْ جَوْهَرٌ لَا صِفَةَ لَهُ. فَإِنْ قَالُوا: ثَلَاثَةُ جَوَاهِرَ، أَثْبَتُوا ثَلَاثَةً وَبَطَلَ قَوْلُهُمْ: " إِنَّ الرَّبَّ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ وَإِلَهٌ وَاحِدٌ " وَصَرَّحُوا بِإِثْبَاتِ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ.
وَإِنْ قَالُوا: بَلْ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ لَهُ ثَلَاثُ صِفَاتٍ، فَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّ هَذَا الْجَوْهَرَ تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ، وَإِذَا قَامَتْ بِهِ الصِّفَاتُ - وَقَدْ سَمَّوْهُ جَوْهَرًا - وَقَالُوا: " كُلُّ مَوْجُودٍ إِمَّا جَوْهَرٌ وَإِمَّا عَرَضٌ " لَزِمَهُمْ قَطْعًا أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute