للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن رجب رحمه الله: «هذا منزع من قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (١). فإن السؤال هو دعاؤه والرغبة إليه، والدعاء هو العبادة.

واعلم أن سؤال الله عزَّ وجلَّ دون خلقه هو المتعين، لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضر ونيل المطلوب، وجلب المنافع ودرء المضار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة» (٢).

ومن الثقة في الله في استجابة الدعاء أن يحرص المسلم على الصبر وعدم الاستعجال، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يستجاب لأحدكم ما لم يجعل، يقول: دعوت فلم يستجب لي» (٣).

قال ابن حجر رحمه الله: «وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أن يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة؛ لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار» (٤).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل». قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: «يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء» (٥).

قال ابن بطال رحمه الله: «قال بعض العلماء: قوله: «ما لم يعجل» يعني يسأم الدعاء ويتركه فيكون كالمان بدعائه، وأنه قد أتى من الدعاء ما كان


(١) سورة الفاتحة، الآية: ٥.
(٢) جامع العلوم والحكم، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ص ١٨٠، ١٨١، ط/ ١، دار المعرفة، بيروت: ١٤٠٨ هـ.
(٣) أخرجه البخاري، كتاب: الدعوات، باب: يستجاب للعبد ما لم يعجل، رقم ٦٣٤٠، وأخرج
(٤) فتح الباري بسرح صحيح البخاري، أحمد بن حجر العسقلاني ١١/ ١٤١.
(٥) أخرجه مسلم، كتاب: الذكر والدعاء، باب: بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي، رقم ٢٧٣٥.

<<  <   >  >>