للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستحق به الإجابة، فيصبر كالمبخل لربّ كريم، لا تعجزه الإجابة، ولا ينقصه العطاء، ولا تضره الذنوب. وقال بعضهم: إنما يعجل العبد إذا كان غرضه من الدعاء نيل ما سأل، وإذا لم ينل ما يريد ثقل عليه الدعاء، ويجب أن يكون غرض العبد من الدعاء هو الدعاء لله، والسؤال منه، والافتقار إليه أبدًا، ولا يفارق سمة العبودية وعلامة الرق، والانقياد للأمر والنهي، والاستسلام لربه تعالى بالذلة والخشوع، فإن الله تعالى يحب الإلحاح في الدعاء. وقال بعض السلف: لأنا أشد خشيةً أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة، وذلك أن الله تعالى يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (١). فقد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة وهو لا يخلف الميعاد» (٢).

وقال ابن الجوزي رحمه الله: «اعلم أن الله عزَّ وجلَّ لا يرد دعاء المؤمن غير أنه قد تكون المصلحة في تأخير الإجابة وقد لا يكون ما سأله مصلحة في الجملة فيعوضه عنه ما يصلحه وربما أخر تعويضه إلى يوم القيامة فينبغي للمؤمن ألا يقطع المسألة لامتناع الإجابة فإنه بالدعاء متعبد وبالتسليم إلى ما يراه الحق له مصلحة مفوض» (٣).

وقال ابن القيم رحمه الله: «ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء أن يتعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذرًا أو غرس غرسًا فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله» (٤).


(١) سورة غافر، الآية: ٦٠.
(٢) شرح صحيح البخاري، علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، تحقيق: أبي تميم ياسر بن إبراهيم ١٠/ ١٠٠، ط/ ٢، مكتبة الرشد، الرياض: ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٣ م.
(٣) كشف المشكل من حديث الصحيحين، أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، تحقيق: علي حسين البواب ١/ ٩٢٩، ط/ دار الوطن، الرياض: ١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م.
(٤) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ص ١٠، ط/ دار المعرفة، بيروت: ١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م.

<<  <   >  >>