الجواب ما كتبه هارون الرشيد حين مزّق رسالة إمبراطور الروم وكتب على قطعة منها:"الجواب ما ترى لا ما تسمع". هذه هي خلائق المسلمين وسلائق العرب، فمتى نعود نحن المسلمين إلى خلائقنا؟
لقد بلغَت الدولة في عهد المعتصم ذروة قوّتها، ولكنه جعلها -بما صنع- تهبط بعد الصعود. الذين جاء بهم وأعطاهم المناصب والرواتب ووكل إليهم أمر الدولة، هووا بالدولة حتى صار الخلفاء من ذُرّية المعتصم ألعوبة في أيديهم الدّنسة:
لما اعتَقَدتُم أُناساً لا حُلومَ لها ... ضِعتُم وضيّعتمُ مَن كان يَعتقدُ
ولو جعلتُم على الأحرارِ نِعمتَكمْ ... حَمَتكمُ السّادةُ المذكورةُ النُّجُدُ
* * *
تركنا (١) بغداد على كرسي الولادة فولدَت بنتاً، ولكنها جاءت جِنّية بنت جِنّية، أعجوبة ولدت أعجوبة. وهل أعجب من مولودة تخرج من يدي القابلة وهي ترقص وتغنّي وتتكلّم بسبع لغات؟ ولكن لم تكد تنتهي أفراح الولادة حتى كانت أيام المأتم.
لقد ماتت الوليدة طفلة، ماتت وهي في مثل عمر الياسمين، ولكنها تركت في تاريخ الأمجاد عبقاً أطيب من أريج الياسمين، تلك هي «سُرّ مَن رأى»(سامرّاء) التي لم تعِش إلاّ ثمانياً وأربعين
(١) من هنا إلى نهاية هذا المقطع تتمةُ المقالة السابقة، «فلم بغداد»، من حيث انقطعت في نهاية الحلقة السابقة (مجاهد).