كم تداول هذا المنبر من خطباء، وكم ذُكر عليه من ملوك وخلفاء؟ مضوا جميعاً وبقي هذا المنبر. ثم يذهب هذا المنبر وتذهب الأرض ومن عليها، ويبقى الله ذو الجلال والإكرام.
فلتعُد هذه المنابر لله وحده، وليعلم الناس أنها ليست لحاكم ولا لأمير، وأنها ليست ملكاً للخطيب ليُعلِن منها آراءه بل ليُعلن منه حكم الشرع:{وأَنّ المسَاجدَ للهِ فلا تَدْعوا مَعَ اللهِ أحَداً}. فليضع الخطيب نصب عينيه رضا الله لا رضا الناس، وليعلم أنه إذا عصى أمر الحاكم في طاعة الله حماه الله من الحاكم، ولكن إن عصى أمر الله في طاعة الحاكم لم يحمِه أحد من الله. هل يضمن هذا الرئيس أو هذا السلطان أن يعيش إلى المساء؟ هل يستطيع أن يدفع عن نفسه الموت؟ هل يقدر أن يُغلِق بابه دون عزرائيل إن جاءه؟ أينما تكونوا يدرِكْكُم الموت ولو كنتم في بروج مشيّدة، ولو وضعتم على أبوابكم لحمايتكم المدافع والدبّابات.
وإذا جاءه ملَك الموت فأخذه فمن يذهب معه؟ هل يذهب معه وزراؤه وأعوانه؟ هل يذهب معه جيشه وأجناده؟ هل يذهب معه أصحابه وأحبابه؟ هل يذهب معه حلفاؤه وأصدقاؤه؟ {ولقد جِئْتُمونا فُرادَى كما خلَقْناكُم أوّلَ مَرّةٍ}. إني لأتصوّر الآن ملوك الأرض وقد خرجوا من قبورهم حُفاة عُراة منفردين فأتّعظ، فأقول من فوق هذا المنبر ما ينفعني في ذلك اليوم لا ما يُفيدني اليوم ومن تصوّر هذا لم يعُد يبالي بأحد.
وهذه هي العِزّة التي جعلها الله لله ولرسوله وللمؤمنين، ليست العزّة للعرب بأنهم عرب. لقد كان العرب ضُلاّلاً فهداهم