هائلتين من صخور المرمر، تقومان رهيبتين مهيبتين كأنهما باب الغار المسحور في قصص الجنّ.
ولقد سرنا على كتف الوادي نُشرِف عليه من فوق كأننا نراه من طيارة، ثم صعد بنا الطريق وصعدنا معه نمرّ بالقرى العامرة والمشاهد الساحرة، حتى بلغنا قرية «قلعة جندل» حيث تصطفّ بيوت القرية صفّ الجند تقوم في لحف الجبل على علوّ ١٥٠٠ متر من سطح البحر، ثم صعدنا وصعدنا حتى وصلنا إلى قلعة بقعسا التي تعلو ١٧٠٠ متر عن وجه البحر، فإذا تحتنا منظر يعجز عن وصفه القلم يمتدّ إلى السهل الواسع الذي تذكرون برؤيته منظر سهل البقاع وسهل الزبداني، والإطار البارع لهذه اللوحة كلها جبلُ الشيخ، فحيثما توجّهت من عرنة إلى قلعة جندل إلى بقعسا إلى كفر حور إلى عين الشعرة (التي كان من حقها بروعة منظرها أن تُسمّى عين الشعراء)، هنالك تجد الجبل أمامك مُغطّى بالثلج الأبيض النقي إذا خالطه شعاع الشمس كان له مشهد عجيب، لا يكاد ثلجه يفارقه أبداً، ولقد كنّا نراه دائماً من دمشق فنبصر بياضه حتى في قلب الصيف.
هذا الجبل هو برَكة هذا الإقليم؛ من ثلوجه هذه الينابيع التي لا يُدرِكها الحَصر. وحسبك أن في قرية عرنة وحدها أكثر من ٣٠٠ عين، وبعض هذه العيون ينبع من أعالي الجبل: عين الوادي في قلعة جندل علوّها نحو ١٤٠٠ متر وحرارة مائها ٨ درجات، وعين الجوزة علوها ١٤٥٠ متراً، وعين الحقل ١٤٥٠ متراً وحرارة مائها ٨ درجات، لذلك لا تشعر فيه بالحر ولا تستثقل الشمس ولو كنت في تموز وآب. ومن كثرة عيونه وبرد جوّه ربما