للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإسلامي الذي تمثَّله ابن خلدون، وأكثر عزماً بإزاء سيطرة الثقافة الأجنبية واعتباراتها الفلسفية والأخلاقية (١).

وضع أقومَ المسالك لا في صورة مذكرات سياسيٍّ يباشر عمله، ويبين للناس ما يخطر له من ملاحظات وأسرار، ويدافع عن مواقفه، وإنما كان عملاً مركزاً، وتحليلاً لواقع، وتطلعاً إلى مستقبل، دوّنه صاحبه بإثر استعفائه من وزارة البحر، وتخلّيه عن رئاسة المجلس الأكبر، معتكفاً بقصره خمس سنوات إلى تاريخ صدوره. وضعه كما وضع ابن خلدون مقدمته في عزلة عن الناس، غير متقلّد المهام الخطيرة الحكومية كالوزارة الكبرى بتونس، والصدارة العظمى بإستنبول إلا بعد فراغه من تأليفه ونشره: ١٨٦٧ - ١٨٦٨ م. وكان نشره له بالعربية والتركية ليتمكّن المسؤولون من العرب والمسلمين من الاطلاع عليه والإفادة منه، وباللغتين الفرنسية والإنجليزية ليعلم المشككون من الساسة الغربيين بتحرك المصلحين ونهضتهم ببلادهم فإن لهؤلاء كامل الاستعداد وأدق التخطيط لعملهم الإصلاحي.

وربما اهتم خير الدين في توجيه خطابه الإصلاحي - ابتداء - بعنصرين هامين في الأمة هما العلماء والساسة. دعاه إلى ذلك ما لاحظه لدى الفئة الأولى من وجود طائفة من علماء الإسلام الموكول لأمانتهم مراعاة أحوال الوقت في تنزيل الأحكام، معرضين عن استكشاف الحوادث الداخلية، وأذهانُهم عن معرفة الحوادث الخارجية خليّة. ولا يخفى أن ذلك من أعظم العوائق عن معرفة ما يجب اعتباره على الوجه اللائق. أفيحسن بأساة الأمة الجهل بأمراضها، أو صرفُ الهمة إلى اقتناء جواهر العلوم مجردة عن


(١) فهمي جدعان. أسس التقدم عند مفكري الإسلام: ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>