للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كا - مدى حريّة التصرّف عند الشريعة

لمَّا تحقّق فيما مضى أن المساواة من مقاصد الشريعة الإِسلامية، لزم أن يتفرّع على ذلك أن استواء أفراد الأمة في تصرّفهم في أنفسهم مقصد أصلي من مقاصد الشريعة وذلك هو المراد بالحريّة.

جاء لفظ الحرية في كلام العرب مطلقاً على معنيين أحدهما ناشئ عن الآخر.

المعنى الأول ضد العبودية. وهي أن يكون تصرّف الشخص العاقل في شؤونه بالأصالة تصرّفاً غير متوقّف على رضا أحد آخر. وقولي: "بالأصالة" لإخراج نحوِ تصرّف السفيه سفهاً مالياً في ماله، وتصرّف الزوجين فيما يتعلّق به حقوقُ الزوجية، وتصرّف المتعاقدين بحسب ما تعاقدا عليه؛ لأن ذلك كلّه يتوقّف على رضا غير المتصرّف بتصرّفه، ولكن ذلك التوقّف ليس أصلياً بل جعلياً أوجبه المرء على نفسه بمقتضى التعاقد. فهو في التحقيق تصرّف منه في نفسه بحريّته. فهو بحريّته وضع لنفسه قيوداً لمصلحته.

ويقابل الحرية بهذا المعنى العبوديةُ. وهو أن يكون المتصرّف غير قادر على التصرّف أصالة إلَّا بإذن سيّده. وقد نشأ هذا الوصف - أعني العبودية - عن الغلبة والقوة في أزمنة تحكيم القوة. فكان من أجلّ مظاهره وأسبابه الأسر في الحروب والغارات. فالأسير في مدّة

<<  <  ج: ص:  >  >>