للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليمن قاضياً فقال له: "إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تَقضِيَنَّ حتى تسمع كلام الآخر كما سمعت كلام الأول فإنه أحرى أن يتبيّنَ لك القضاء" (١).

فيجب على الحاكم أن يستقصي وجوه الحجج المبيِّنة للحق بقدر ما يستطيعَ ولو بالوصول إلى حفظ بعض الحقوق دون بعض، فإنّ حفظ البعض خير من ضياع الكل.

وقد حكى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن داود عليه السلام: "أنه تحاكمت إليه امرأتان في صبي تزعم كل منهما أنه ابنها فقضى به للكبرى"، مع أن الكِبَر لا أثر له في إظهار الحق. ولكنه لما أيس من الحجة عمد إلى مرجَّح ما، حفظاً لحق المختصم فيه لا لحق المتخاصمتين كي لا يبقى الصبي بدون كافلة. ولم يتطلب داود سبيلاً لحمل إحدى المرأتين على الإقرار، لعله لأنه لا يرى الإكراه على الإقرار. وقد علم أن إحداهما مبطلة لا محالة. ونزع سليمان عليه السلام إلى طريقة الإلجاء إلى الإقرار (٢).


(١) نظر ١٣ كتاب الأحكام، ٥ باب ما جاء في القاضي لا يقضي بين الخصمين حتى يسمع كلامهما، ح ١٣٣١. تَ: ٣/ ٦١٨؛ وبلفظ قريب من الأول: ٢٣ كتاب القضاء، ٦ باب كيف القضاء، ح ٣٥٨٢. دَ: ٤/ ١١.
(٢) الحديث لأبي هريرة. انظر ٦٠ كتاب الأنبياء، ٤٠ باب قول الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ص: ٣٠. وهو حديث مرفوع عند البخاري عن أبي اليمان عن شعيب، في آخر الباب ... الحديث، ونصه هنا: "وقال: كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتُها إنما ذهب بابنكِ، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنكِ. فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما. فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى. قال أبو هريرة: والله إن =

<<  <  ج: ص:  >  >>