"مصنّفه"(٩٧٤٥) و (الحميديّ) في "مسنده"(٧١) و (ابن أبي عاصم) في "السنة"(١٣٣٥) و (الطيالسيّ) في "مسنده"(٢٠٩) و (البيهقيّ) في "السنن"(٩/ ٤٠) وفي "دلائل النبوة"(٥/ ٢٢٠)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في دَحْضِ استدلال الفرق الضالّة بهذا الحديث على زعمهم الباطل:
قال القاضي عياض رحمه الله: هذا الحديث مما تعلقت به الروافض، والإمامية، وسائر فرق الشيعة، في أن الخلافة كانت حقا لعلي، وأنه وصيّ له بها، قال: ثم اختلف هؤلاء، فكفرت الروافض سائر الصحابة في تقديمهم غيره، وزاد بعضهم، فكفر عليا؛ لأنه لم يقم في طلب حقه بزعمهم، وهؤلاء أسخف مذهبًا، وأفسد عقلًا من أن يُرَدّ قولهم، أو يُناظَر. وقال القاضي: ولا شك في كفر من قال هذا؛ لأن من كفر الأمة كلها، والصدر الأول خصوصًا، فقد أبطل نقل الشريعة، وهَدَم الإسلام، وأما من عدا هؤلاء الغُلاة فإنهم لا يسلكون هذا المسلك الشنيع القبيح، ومن ارتكبه منهم ألحقناه بمن تقدّم في التكفير، ومأواه جهنّم، وبئس المصير.
وأما الإمامية، وبعض المعتزلة، فيقولون: هم مخطئون في تقديم غيره لا كُفّار، وبعض المعتزلة لا يقول بالتخطئة؛ لجواز تقديم المفضول عندهم.
وهذا الحديث لا حجة فيه لأحد منهم، بل فيه إثبات فضيلة لعليّ، ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعليّ حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك، ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفةً بعد موسى، بل تُوفي في حياة موسى، وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة، على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص، قالوا: وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة، فلما رجع موسى عليه السلام من مناجاته عاد هارون إلى أول حالاته، على أنه قد كان هارون شُرِّك مع موسى في أصل الرسالة، فلا تكون لهم فيما راموه دلالة.
وغاية هذا الحديث أن يدلّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما استخلف عليّا -رضي الله عنه- على المدينة