فقوله:"فإذا قالوها": أي إذا تكلّموا بكلمة التوحيد. وقوله:"عصموا مني" أي حفظوا وحَقَنُوا. وقوله:"إلا بحقها" الضمير لكلمة التوحيد، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما:"إلا بحقّ الإسلام"، والمعنى واحد، والاستثناء مفرّغ، والمستثنى منه أعمّ، والعصمة متضمّنة لمعنى النفي، ولذا صحّ تفريغ الاستثناء، إذ شرطه النفي، إما صريحًا، أو تأويلًا، كهذا المثال، والمعنى: لا يجوز إهدار دمائهم واستباحة أموالهم بسبب من الأسباب إلا بحقّ الإسلام، والحقّ المستثنى هو ما بينه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر بقوله:"زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل النفس التي حرّم الله". أخرجه الداميّ في "سننه" ٢/ ١٧١.
ومن حقّ الإسلام أيضًا سائر الحدود التي أوجبها الشرع بارتكاب جريمة، كحد السرقة، والقذف، وكذا الغرامة المالية بإتلاف مال محترم، أو نحو ذلك.
وقوله:"وحسابهم على الله" أي حساب سرائرهم على الله سبحانه وتعالى؛ لأنه المطّلع عليها، فمن أخلص في إيمانه وأعماله جازاه الله عليها جزاء المخلصين، ومن لم يُخلص في ذلك كان من المنافقين، يُحكم له في الدنيا بأحكام المسلمين، وهو عند الله تعالى من أسوء الكافرين (١).
(الثاني): [إن قيل]: مقتضى الحديث قتالُ كل من امتنع من التوحيد، فكيف تُرِك قتال مؤدي الجزية، والمعاهد.
[أجيب]: بأوجه:
[أحدها]: دعوى النسخ بأن يكون الإذن بأخذ الجزية والمعاهدة متأخرًا عن هذه الأحاديث، بدليل أنه متأخر عن قوله تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ}.
[ثانيها]: أن يكون من العام الذي خُصَّ منه البعض؛ لأن المقصود من الأمر حصول المطلوب، فإذا تخلف البعض لدليل لم يَقدَح في العموم.