وَأَجْمَعَ الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّ الْمُحْصَنَ مِنَ الزُّنَاةِ حَدُّهُ الرَّجْمُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ جَلْدٌ أَمْ لَا
فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ لَا جَلْدَ عَلَى الْمُحْصَنِ إِنَّمَا عَلَيْهِ الرَّجْمُ فَقَطْ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا) وَلَمْ يَقُلْ اجْلِدْهَا ثُمَّ ارْجُمْهَا
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سعد والحسن بن صالح وبن ابي ليلى وبن شُبْرُمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالطَّبَرِيُّ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَقُولُ لَا يَجْتَمِعُ جَلْدٌ وَرَجْمٌ
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّانِي الْمُحْصَنُ يُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ
وَحُجَّتُهُمْ عُمُومُ الْآيَةِ فِي الزُّنَاةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) النُّورِ ٢ فَعَمَّ الزُّنَاةَ وَلَمْ يَخُصَّ مُحْصَنًا مِنْ غَيْرِ مُحْصَنٍ
وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (خُذُوا عَنِّي لَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ)
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَجْمِ شُرَاحَةَ الْهَمَذَانِيَّةِ بَعْدَ جَلْدِهِ لَهَا
وَرَوَى أَبُو حَصِينٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَعَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَ أُتِيَ عَلِيٌّ بِزَانِيَةٍ فَجَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسَ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمْعَةِ ثُمَّ قَالَ الرَّجْمُ رَجْمَانِ رَجْمُ سِرٍّ وَرَجْمُ عَلَانِيَةٍ فَأَمَّا رَجْمُ الْعَلَانِيَةِ فَالشُّهُودُ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ وَأَمَّا رَجْمُ السِّرِّ فَالِاعْتِرَافُ فَالْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا الْأَسْلَمِيَّ وَرَجَمَ الْيَهُودِيَّيْنِ وَرَجَمَ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ وَامْرَأَةً مِنْ عَامِرٍ وَلَمْ يَجْلِدْ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ فِي (التَّمْهِيدِ) فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ قُصِدَ بِهَا مَنْ لَمْ يُحْصَنْ مِنَ الزُّنَاةِ