ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَكَانَ يُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا فَيَقُولُ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا؟» قَالَ ابْنُ زِمْلٍ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ، قَالَ: «خَيْرًا تَلَقَّاهُ، وَشَرًّا تَوَقَّاهُ، وَخَيْرًا لَنَا وَشَرًّا عَلَى أَعْدَائِنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اقْصُصْ رُؤْيَاكَ» . فَقُلْتُ: رَأَيْتُ جَمِيعَ النَّاسِ عَلَى طَرِيقٍ رَحْبٍ سَهْلٍ لَاحِبٍ، وَالنَّاسُ عَلَى الْجَادَّةِ مُنْطَلِقِينَ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَشْفَى ذَلِكَ ⦗٣٠٣⦘ الطَّرِيقُ عَلَى مَرْجٍ لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهُ يَرِفُّ رَفِيفًا، وَيْقُطْرُ نَدَاهُ فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَأِ، وَكَأَنِّي بِالرَّعْلَةِ الْأُولَى حَتَّى أَشْفَوْا عَلَى الْمَرْجِ كَبَّرُوا، ثُمَّ رَكِبُوا رَوَاحِلَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، فَمِنْهُمِ الْمُرْتِعُ، وَمِنْهُمِ الْآخِذُ الضَّغْثُ، وَمَضَوْا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ عِظَمُ النَّاسِ، فَلَمَّا أَشْفَوْا عَلَى الْمَرْجِ كَبَّرُوا، فَقَالُوا: خَيْرُ الْمَنْزِلِ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَمِيلُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ لَزِمْتُ الطَّرِيقَ حَتَّى آتِي أَقْصَى الْمَرْجِ، فَإِذَا أَنَا بِكَ يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى مِنْبَرٍ فِيهِ سَبْعَ دَرَجَاتٍ، وَأَنْتَ فِي أَعْلَاهَا دَرَجَةً، وَإِذَا عَنْ يَمِينِكَ رَجُلٌ آدَمُ شَشْلٌ أَقْنَى، إِذَا هُوَ تَكَلَّمَ يَسْمُو، فَيَفْرُعُ الرِّجَالَ طُولًا، وَإِذَا عَنْ يَسَارِكَ رَجُلٌ تَارٌّ رِبْعَةٌ أَحْمَرُ كَثِيرُ خَيْلَانِ الْوَجْهِ، كَأَنَّمَا حُمِّمَ شَعْرُهُ بِالْمَاءِ، إِذَا هُوَ تَكَلَّمَ أَصْغَيْتُمْ لَهُ إِكْرَامًا، وَإِذَا أَمَامَكَ شَيْخٌ أَشْبَهُ النَّاسِ بِكَ خَلْقًا وَوَجْهًا كُلُّكُمْ تَؤُمُّونَهُ تُرِيدُونَهُ، وَإِذَا أَمَامَ ذَلِكَ نَاقَةٌ عَجْفَاءُ شَارِفٌ، وَإِذَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّكَ تَتَّقِيهَا، قَالَ: فَانْتَقَعَ لَوْنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: «أَمَّا مَا رَأَيْتَ مِنَ الطَّرِيقِ السَّهْلِ الرَّحْبِ اللَّاحِبِ، فَذَلِكَ مَا حُمِّلْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى وَأَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَرْجُ الَّذِي رَأَيْتَ، فَالدُّنْيَا وَعُصَارَةُ عَيْشِهَا مَضَيْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي لَمْ نَتَعَلَّقْ بِهَا شَيْئًا، وَلَمْ نُرِدْهَا وَلَمْ تُرِدْنَا، ثُمَّ جَاءَتِ الرَّعْلَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَنَا، وَهُمْ أَكْثَرُ مِنَّا ضِعَافًا فَمِنْهُمِ الْمُرْتِعُ، وَمِنْهُمِ الْآخِذُ الضَّغْثُ وَنَحْوُهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ عِظَمُ النَّاسِ، فَمَالُوا فِي الْمَرْجِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَمَّا أَنْتَ فَمَضَيْتَ عَلَى طَرِيقَةٍ صَالِحَةٍ، فَلَمْ تَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى تَلْقَانِي، وَأَمَّا الْمِنْبَرُ الَّذِي رَأَيْتَ فِيهِ سَبْعَ دَرَجَاتٍ وَأَنَا فِي أَعْلَى دَرَجَةٍ، فَالدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَأَنَا فِي آخِرِهَا أَلْفًا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي الْآدَمُ الشَّشْلُ، فَذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا هُوَ تَكَلَّمَ يَعْلُو الرِّجَالَ بِفَضْلِ صَلَاحِ اللهِ إِيَّاهُ، وَالَّذِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِي التَّارُ الرِّبْعَةُ الْكَبِيرُ خَيْلَانِ الْوَجْهِ، فَكَأَنَّمَا حُمِّمَ شَعْرُهُ بِالْمَاءِ، فَذَاكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ نُكْرِمُهُ لِإِكْرَامِ اللهِ إِيَّاهُ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الَّذِي رَأَيْتَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَوَجْهًا، فَذَلِكَ أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلُّنَا نَؤُمُّهُ وَنَقْتَدِي بِهِ، وَأَمَّا النَّاقَةُ الَّتِي رَأَيْتَ وَرَأَيْتُنِي أَتَّقِيهَا فَهِيَ السَّاعَةُ عَلَيْنَا تَقُومُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَلَا أُمَّةَ بَعْدَ أُمَّتِي» . قَالَ: فَمَا سَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رُؤْيَا بَعْدَهَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ فَيُحَدِّثُهُ بِهَا مُتَبَرِّعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute