ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يَقُومُ بِالْهَاجِرَةِ حِينَ تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ فَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَيَقْرَأُ فِيهِنَّ بِسُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ طِوَالٍ وَقِصَارٍ، ثُمَّ لَا يَلْبَثُ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى يُصَلِّيَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَيُطِيلَ الْقِيَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، يَقْرَأُ فِيهِمَا بِسُورَتَيْنِ بِـ الْم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَمِثْلِهَا مِنَ الْمَثَانِي، فَإِذَا صَلَّى الظُّهْرَ رَكَعَ بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَمْكُثُ حَتَّى إِذَا تَصَوَّبَتِ الشَّمْسُ وَعَلَيْهِ نَهَارٌ طَوِيلٌ صَلَّى صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِسُورَتَيْنِ مِنَ الْمَثَانِي، أَوِ الْمُفَصَّلِ، وَهُمَا أَقْصَرُ مِمَّا قَرَأَ بِهِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَإِذَا قَضَى صَلَاةَ الْعَصْرِ لَمْ يُصَلِّ بَعْدَهَا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِذَا رَآهَا قَدْ تَوَلَّتْ صَلَّى صَلَاةَ الْمَغْرِبِ الَّتِي تُسَمُّونَهَا الْعِشَاءَ، وَيَقْرَأُ فِيهِمَا بِسُورَتَيْنِ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ؛ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَنَحْوًا مِنْهَا مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ يَرْكَعُ بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُقْسِمُ عَلَيْهَا شَيْئًا لَا يُقْسِمُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ لِمِيقَاتُ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ تَصْدِيقُهَا {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: ٧٨] ، وَهِيَ الَّتِي يُسَمُّونَ صَلَاةَ الصُّبْحِ ⦗٥٨⦘، وَعِنْدَهَا يَجْتَمِعُ الْحَرَسَانِ، كَانَ يَعِزُّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَ مُتَكَلِّمًا تِلْكَ السَّاعَةَ إِلَّا بِذِكْرِ اللهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَمْكُثُ بَعْدُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ، الَّتِي تُسَمُّونَ الْعَتَمَةَ، وَيَقْرَأُ فِيهَا بِخَوَاتِمِ آلِ عِمْرَانَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} إِلَى خَاتِمَتِهَا، وَبِخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الفرقان: ٦١] إِلَى خَاتِمَتِهَا، فِي تَرَسُّلٍ وَحُسْنِ صَوْتٍ بِالْقُرْآنِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ حُسْنَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ زِينَةٌ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِخَوَاتِيمِ هَاتَيْنِ قَرَأَ نَحْوَهُمَا مِنَ الْمَثَانِي أَوِ الْمُفَصَّلِ، فَإِذَا قَضَى صَلَاةَ الْعِشَاءِ رَكَعَ بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ شَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّمَا كَانَ يُصَلِّي بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَامَ فَأَوْتَرَ مَا قَدَّرَ اللهُ مِنَ الصَّلَاةِ، إِمَّا تِسْعًا وَإِمَّا سَبْعًا، أَوَ فَوْقَ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ يَنْشَقُّ الْفَجْرُ وَرَأَى الْأُفُقَ وَعَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ ظُلْمَةٌ، قَامَ فَصَلَّى الصُّبْحَ، فَقَرَأَ فِيهِمَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ بِالرَّعْدِ وَمِثْلِهَا مِنَ الْمَثَانِي، حَتَّى يُتَّهَمَ أَنْ يُضِئَ الصُّبْحُ، وَكَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَقُومَ لَهَا، وَكَانَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَسْتَوِي قَائِمًا، ثُمَّ يَحْمَدُ رَبَّهُ وَيُسَبِّحُهُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ يُكَبِّرُ للسَّجْدَةِ حَتَّى يَخِرَّ سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَسْتَوِي قَاعِدًا وَيَحْمَدُ رَبَّهُ وَيُسَبِّحُهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ للسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ مِنْهَا رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَقُومُ مِنَ الْقَعْدَةِ، فَإِذَا صَلَّى صَلَاتَهُ سَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَفِتَ أَوَ يُشِيرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ يَعْمَدُ إِلَى حَاجَتِهِ إِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، وَكَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ خَفَضَ فِيهَا صَوْتَهُ وَبَدَنَهُ، وَكَانَ عَامَّةُ قَوْلِهِ وَهُوَ قَائِمٌ أَنْ يُسَبِّحَ، وَكَانَ تَسْبِيحُهُ فِيهَا: سُبْحَانَكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، لَا يَفْتُرُ مِنْ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute