وَقَوْلُهُ ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ: يَعْنِي وَاسِعَ الْخُطَا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ فِي صَبَبٍ، أُرَاهُ يُرِيدُ أَنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ غَاضٌّ بَصَرَهُ لَا يَرْفَعُهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْمُنْحَطُّ، ثُمَّ فَسَّرَهُ، فَقَالَ: خَافِضَ الطَّرْفِ نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَوْلُهُ: إِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا: يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَلْوِي عُنُقَهُ دُونَ جَسَدِهِ فَإِنَّ فِي هَذَا بَعْضَ الْخِفَّةِ وَالطَّيْشِ، وَقَوْلُهُ: دَمِثُ: هُوَ اللَّيْنُ السَّهْلُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ دَمِثٌ، وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبُولَ فَمَالَ إِلَى دَمِثٍ، وَقَوْلُهُ: إِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ: الْإِشَاحَةُ: الْحَدُّ وَقَدْ يَكُونُ الْحَذَرَ، وَقَوْلُهُ: ويَفْتَرُ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ، وَالِافْتِرَارِ: أَنْ تُكَشَّرَ الْأَسْنَانُ ضَاحِكًا مِنْ غَيْرِ قَهْقَهَةٍ، وَحَبُّ الْغَمَامِ: الْبَرَدُ شَبَّهَ بِهِ بَيَاضَ أَسْنَانِهِ قَالَ جَرِيرٌ:
يَجْرِي السِّوَاكُ عَلَى أَغَرَّ كَأَنَّهُ ... بَرَدٌ تَحَدَّرَ مِنْ مُتُونِ غَمَامٍ
وقَوْلُهُ يَدْخُلُونَ رُوَّادًا الرُّوَّادُ الطَّالِبُونَ وَاحِدُهُمْ رَائِدٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُمُ: الرَّائِدُ لَا يَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَقَوْلُهُ: لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ: يَعْنِي عُدَّةً، وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ، لَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ: أَيْ لَا يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ مَوْضِعًا يُعْرَفُ، إِنَّمَا يَجْلِسُ حَيْثُ يُمْكِنُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ حَاجَتُهُ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ فَسَّرَهُ، فَقَالَ: يَجْلِسُ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَمِنْهُ حَدِيثُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ، وَقَوْلِهِ فِي مَجْلِسِهِ لَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرُمُ: يَقُولُ لَا يُوصَفُ فِيهِ النِّسَاءُ وَمِنْهُ حَدِيثُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الشِّعْرِ إِذَا أُبِنَتْ فِيهِ النِّسَاءُ قَالَ: أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ رِجَالٌ فِي الْمَسْجِدِ يَتَنَاشَدُونَ الشَّعْرَ فَأَقْبَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: أَفِي حَرَمِ اللهِ وَعِنْدَ بَيْتِ اللهِ يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ بِكَ بَأْسٌ يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ إِنْ لَمْ تَفْسَدْ نَفْسُكَ، إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّعْرِ إِذَا أُبِنَتْ فِيهِ النِّسَاءُ أَوْ تُرُوزِئَتْ فِيهِ الْأَمْوَالُ، وَقَوْلُهُ: لَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ: الْفَلَتَاتُ السَّقَطَاتُ لَا يَتَحَدَّثُ بِهَا، يُقَالُ مِنْهُ: نَثَوْتُ أَنْثُو، وَالِاسْمُ مِنْهُ النَّثَا، وَهَذِهِ الْهَاءُ الَّتِي فِي فَلَتَاتِهِ رَاجِعَةٌ عَلَى الْمَجْلِسِ، أَلَا تَرَى فِي صَدْرِ الْكَلَامِ أَنَّهُ سَأَلَهُ، عَنْ مَجْلِسِهِ؟ وَيُقَالُ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ لِمَجْلِسِهِ فَلَتَاتٌ يَحْتَاجُ أَحَدٌ أَنْ يَحْكِيَهَا فَلَتَاتَهُ: يُرِيدُ فَلَتَاتِ الْمَجْلِسِ لَا يَتَحَدَّثُ بِهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute