٣٠٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ السَّدُوسِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ أُنَاسًا يَنَالُونَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَزْفَلَةٍ مِنْهُمْ، وَسَدَلَتْ أَسْتَارَهَا، وَعَذَلَتْ وَقَرَّعَتْ، وَقَالَتْ: " أَبِي وَمَا أَبِيهِ، أَبِي لَا تُعْطُوهُ الْأَيْدِي هَيْهَاتَ، وَاللهِ ذَلِكَ طَوْدٌ مَنِيفٌ وَظِلٌّ مَدِيدٌ، أَنْجَحَ وَاللهِ إِذْ كَذَّبْتُمْ، وَسَبَقَ إِذْ وَنَيْتُمْ
[البحر البسيط]
سَبَقَ الْجَوَادُ إِذْ اسْتَوْلَى عَلَى الْأَمَدِ ... فَتَى قُرَيْشٍ نَاشِئًا وَكَهْفًا - كَهْلًا
، يَفُكُّ عَانِيَهَا وَيَرِيشُ مُمْلِقَهَا وَيَرْأَبُ صَدْعَهَا، وَيَلُمُّ شَعَثَهَا حَتَّى حَلِيَتْهُ قُلُوبُهَا، ثُمَّ اسْتَشْرَى فِي دِينِهِ فَمَا بَرِحَتْ شَكِيمَتُهُ فِي ذَاتِ اللهِ حَتَّى اتَّخَذَ بِفِنَائِهِ مَسْجِدًا يُحْيِي فِيهِ مَا أَمَاتَ الْمُبْطِلُونَ، وَكَانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ غَزِيرَ الدَّمْعَةِ وَقِيدَ الْجَوَانِحِ شَجِيَّ النَّشِيجِ، فَاصْطَفَفَتْ إِلَيْهِ نِسْوَانُ مَكَّةَ وَوِلْدَانُهَا يَسْخَرُونَ مِنْهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَ {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: ١٥] فَأَكْثَرَتْ ذَلِكَ رِجَالَاتُ قُرَيْشٍ، فَحَنَتْ قِسِيَّهَا وَفَوَّقَتْ سِهَامَهَا، وَامْتَثَلُوهُ غَرَضًا فَمَا فَلُّوا لَهُ صَفَاةً وَلَا قَصَفُوا لَهُ قَنَاةً، وَمَرَّ عَلَى سِيسَائِهِ، حَتَّى إِذْ ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ، وَأَلْقَى بَرْكَهُ وَرَسَتْ أَوْتَادُهُ، وَدَخَلَ النَّاسُ فِيهِ أَفْوَاجًا، وَمِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ أَرْسَالًا، وَأَشْتَاتًا، اخْتَارَ اللهُ لِنَبِيِّهِ مَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا قَبَضَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ضَرَبَ الشَّيْطَانُ رِوَاقَهُ، وَنَصَبَ حَبَائِلَهُ، وَمَدَّ طُنُبَهُ، وَأَجْلَبَ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ، فَاضْطَرَبَ حَبْلُ الْإِسْلَامِ، وَمَرَجَ عَهْدُهُ، وَمَاجَ أَهْلُهُ، وَعَادَ مَبْرَمُهُ أَنْكَاثًا، وَبَغِيَ الْغَوَائِلُ، وَظَنَّتِ الرِّجَالُ أَنْ قَدْ أَكْثَبَتْ أَطْمَاعُهُمْ، وَلَاتَ حِينَ الَّتِي يَرْجِعُونَ، وَالصِّدِّيقُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَقَامَ حَاسِرًا مُشَمِّرًا، فَرَفَعَ حَاشِيَتَهُ، وَجَمَعَ قَطْرَتَهُ، فَرَدَّ نَشْرَ الْإِسْلَامِ عَلَى غُرَّةٍ، وَلَمَّ شَعَثَهُ بِطَيِّهِ، وَأَقَامَ أَوَدَهُ بِثِقَافِهِ، فَانْذَعَرَ النِّفَاقُ بِوَطْأَتِهِ، وَانْتَاشَ الدِّينُ بِنَعْشِهِ، فَلَمَّا أَرَاحَ الْحَقَّ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَقَرَّ الرُّءُوسَ عَلَى كَوَاهِلِهَا، وَحَقَنَ الدِّمَاءَ فِي أَهَبِهَا، حَضَرَتْ مَنِيَّتُهُ، فَسَدَّ ثُلْمَتَهُ بِشَقِيقِهِ فِي الْمَرْحَمَةِ وَنَظِيرِهِ فِي السِّيرَةِ وَالْمَعْدَلَةِ، ذَاكَ ابْنُ الْخَطَّابِ، لِلَّهِ أُمٌّ حَمَلَتْ بِهِ، وَدَرَّتْ عَلَيْهِ، لَقَدْ أَوْحَدَتْ بِهِ قَبِيحَ الْكَفَرَةِ وَذَيْخِهَا، وَشَرَّدَ الشِّرْكَ شَذَرَ مَذَرَ، وَنَعَجَ الْأَرْضَ وَنَخَّهَا، فَقَاءَتْ أُكُلَهَا وَلَفِظَتْ خَبِيثَهَا بِرَأْسِهِ، وَتَصَدَّقَ عَنْهَا وَتَصَدَّى لَهُ، وَتَأَبَّاهَا، ثُمَّ وَرِعَ فِيهَا، ثُمَّ تَرَكَهَا كَمَا صَحِبَهَا، فَأَرُونِي مَا تَقُولُونَ؟، وَأَيَّ يَوْمَيْ أَبِي تَنْقِمُونَ، أَيَوْمَ إِقَامَتِهِ إِذْ عَدَلَ فِيكُمْ، أَوْ يَوْمَ ظَعْنِهِ إِذْ نَظَرَ لَكُمْ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute