٦٥١٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْمَدَنِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَلِيطٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ , مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنُ أُرَيْقِطٍ يَدُلُّهُمُ الطَّرِيقَ، فَمَرَّ بِأُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَهِيَ لَا تَعْرِفُهُ، فَقَالَ لَهَا: «يَا أُمَّ مَعْبَدٍ هَلْ عِنْدَكِ مِنْ لَبَنٍ؟» قَالَتْ: لَا وَاللهِ، وَإِنَّ الْغَنَمَ لَعَازِبَةٌ قَالَ: «فَمَا هَذِهِ الشَّاةُ الَّتِي أَرَاهَا فِي كِفَاءِ الْبَيْتِ؟» قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ، قَالَ: «أَتَأْذَنِينَ فِي حِلَابِهَا؟» قَالَتْ: وَاللهِ مَا ضَرَبَهَا مِنْ فَحْلٍ قَطُّ، وَشَأْنُكَ بِهَا , فَمَسَحَ ظَهْرَهَا وضَرْعَهَا، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ يَرْبِضُ الرَّهْطَ، فَحَلَبَ فِيهِ، فَمَلَأَهُ، فَسَقَى أَصْحَابَهُ عَلَلًا بَعْدَ نَهَلٍ، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ أُخْرَى، فَمَلَأَهُ، فَغَادَرَهُ عِنْدَهَا، وَارْتَحَلَ، فَلَمَّا جَاءَ زَوْجُهَا عِنْدَ الْمَسَاءِ قَالَ لَهَا: يَا أُمَّ مَعْبَدٍ مَا هَذَا اللَّبَنُ , وَلَا حَلُوبَةٌ فِي الْبَيْتِ، وَالْغَنَمُ عَازِبَةٌ؟ فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ , إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ، مَلِيحُ الْوَجْهِ، فِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ، وَفِي صَوْتَهِ صَحَلٌ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، لَا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ مِنْ قِصَرٍ، لَمْ تَعْلُوهُ ثُجْلَةٌ، وَلَمْ تَزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، إِذَا نَطَقَ فَعَلَيْهِ الْبَهَاءُ , وَإِذَا صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، كَلَامُهُ كَخَرَزِ النَّظْمِ، أَزْيَنُ أَصْحَابِهِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ وَجْهًا، مَحْشُودٌ غَيْرُ مُفْنَدٍ، لَهُ أَصْحَابٌ يَحُفُّونَ بِهِ، إِذَا أَمَرَ تَبَادَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا نَهَى انْتَهَوْا عِنْدَ نَهْيِهِ، قَالَ: هَذِهِ صِفَةُ صَاحِبِ قُرَيْشٍ، وَلَوْ رَأَيْتُهُ لَاتَّبَعْتُهُ، وَلَأَجْهَدَنَّ أَنْ أَفْعَلَ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَكَّةَ أَيْنَ تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعُوا هَاتِفًا يَهْتِفُ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ:
[البحر الطويل]
جَزَى اللهُ خَيْرًا , وَالْجَزَاءُ بِكَفَّهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَا بِالْبِرِّ وَارْتَحَلَا بِهِ ... فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ مُحَمَّدِ
وأَكْسَى لِبَرْدِ الْحَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ ... وَأَعْطَى بِرَأْسِ السَّائِحِ الْمُتَجَرِّدِ
ويَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانَ فَتَاتِهِمْ ... ومَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute