قَالَ: فَكَانَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ قَالَ: " كَانَ مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ، وَكَانَ لِذَلِكَ الْمَلِكِ كَاهِنٌ يَتَكَهَّنُ لَهُ ⦗٤٢⦘، فَقَالَ ذَلِكَ الْكَاهِنُ: انْظُرُوا لِي غُلَامًا فَطِنًا، أَوْ قَالَ: لَقِنًا أُعَلِّمُهُ عِلْمِي هَذَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ، فَيَنْقَطِعَ مِنْكُمْ هَذَا الْعِلْمُ، وَلَا يَكُونُ فِيكُمْ مَنْ يَعْلَمُهُ، فَنَظَرُوا لَهُ غُلَامًا عَلَى مَا وَصَفَ، وَأَمَرُوهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْكَاهِنَ، وَأَنْ يَخْتَلِفَ إِلَيْهِ قَالَ: وَكَانَ عَلَى طَرِيقِ الْغُلَامِ رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَحْسَبُ أَنَّ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ كَانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمِينَ، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرَّاهِبَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ عَنْ دِينِهِ حَتَّى أَخْبَرهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَعْبُدُ اللهَ، وَجَعَلَ الْغُلَامُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرَّاهِبِ، وَيُبْطِئُ عَلَى الْكَاهِنِ، فَأَرْسَلَ الْكَاهِنُ إِلَى أَهْلِ الْغُلَامِ أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَحْضُرُنِي، فَأَخْبَرَ الْغُلَامُ الرَّاهِبَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: إِذَا قَالَ لَكَ الْكَاهِنُ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْ: عِنْدَ أَهْلِي، وَإِذَا قَالَ لَكَ أَهْلُكَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْ: عِنْدَ الْكَاهِنِ، فَبَيْنَمَا الْغُلَامُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ مَرَّ بِجَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ كَثِيرَةٍ قَدْ حَبَسَتْهُمْ دَابَّةٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ تِلْكَ الدَّابَّةَ كَانَتِ الْأَسَدَ، فَأَخَذَ الْغُلَامُ حَجَرًا فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ الرَّاهِبُ حَقًّا، فَأَسْأَلُكَ أَنْ أَقْتُلَ هَذِهِ الدَّابَّةَ، وَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُ الْكَاهِنُ حَقًّا أَنْ لَا أَقْتُلَهَا، ثُمَّ رَمَاهَا فَقَتَلَ الدَّابَّةَ، فَقَالَ النَّاسُ: مَنْ قَتَلَهَا؟ فَقَالُوا: الْغُلَامُ. فَفَزِعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقَالُوا: قَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ، فَسَمِعَ بِهِ أَعْمَى فَجَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَعْمَى: إِنْ أَنْتَ رَدَدْتَ عَلَيَّ بَصَرِي، فَإِنَّ لَكَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: لَا أُرِيدُ مِنْكَ هَذَا، وَلَكِنْ أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعَ إِلَيْكَ بَصَرُكَ أَتُؤْمِنُ بِالَّذِي رَدَّهُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَعَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ، فَآمَنَ الْأَعْمَى. فَبَلَغَ الْمَلِكَ أَمْرُهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَالَ: لَاقْتُلَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قِتْلَةً لَا أَقْتُلُهَا صَاحِبَهَا. فَأَمَرَ بِالرَّاهِبِ وَبِالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ أَعْمَى فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ عَلَى مَفْرِقِ أَحَدِهِمَا، فَقُتِلَ وَقَتَلَ الْآخَرَ بِقِتْلَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَلْقُوهُ مِنْ رَأْسِهِ، فَلَمَّا انْطَلَقُوا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ، وَانْتَهَوْا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادُوا جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنَ الْجَبَلِ، وَيَتَرَدَّوْنَ مِنْهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْغُلَامُ، ثُمَّ رَجَعَ الْغُلَامُ فَأَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى الْبَحْرِ فَأَلْقُوهُ فِيهِ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى الْبَحْرِ، فَغَرَّقَ اللهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، وَأَنْجَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ الْغُلَامُ: إِنَّكَ لَنْ تَقْتُلَنِي حَتَّى تَصْلُبَنِي، ثُمَّ تَرْمِيَنِي، وَتَقُولَ إِذَا رَمَيْتَنِي: بِسْمِ اللهِ رَبِّ هَذَا الْغُلَامِ - أَوْ قَالَ: بِسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ - فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ، فَوَضَعَ الْغُلَامُ يَدَهُ عَلَى صُدْغِهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ، فَإِنَّا نُؤْمِنُ بِرَبِّ هَذَا الْغُلَامِ، فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أَجَزِعْتَ أَنْ خَالَفَكَ ثَلَاثَةٌ؟ فَهَذَا النَّاسُ كُلُّهُمْ قَدْ خَالَفُوكَ، فَخَدَّ أُخْدُودًا أَلْقَى فِيهَا الْحَطَبَ وَالنَّارَ، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ رَجَعَ إِلَى دِينِهِ تَرَكْنَاهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ أَلْقَيْنَاهُ فِي هَذِهِ النَّارِ فَجَعَلَ يُلْقِيهِمْ فِي تِلْكَ الْأُخْدُودِ "، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} [البروج: ٥] حَتَّى بَلَغَ {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: ٨] فَذُكِرَ أَنَّ الْغُلَامَ أُخْرِجَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى صُدْغِهِ، كَمَا وَضَعَهَا حِينَ قُتِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute