لكن لما قام بهم الوصف الذي يبيح الدم والمال، لم يكن لتسميتها دار إسلام حكم، وصار الحكم لهذا الوصف الطارئ، تعريف على محل طاهر تلوث به المحل، وللشيء حكم نظيره، فكيف بما هو اقبح وأشد؟! فبطل ما طرده المجيز من التعلق باسم الدار ....
الوجه الثاني: أن المجيز علَّق حكم إباحة الإقامة فيما نقلت عنه، بما إذا لم يمنعوك عن واجبات دينك، مصرِّحًا بأنها هي النطق بالشهادتين، والصلاة، والعبادات البدنية، التي وافقك عليها المشرك في هذا الزمان، فإذا كان كذلك، فالمدَّعى أوسع من الدليل.
إذ عدم المنع من العبادات البدنية، والدعاء بداعي الفلاح، موجود في أكثر أقطار الأرض، فالسؤال مطرَّح من أصله، ولعله السائل جعله بئرًا في الطريق، وعلى نفسها تجني براقش، وعلينا أن نقول الحق، لا تأخذنا في الله لومة لائم، وهذا جوابنا على المسألة الأولى.
وأما المسألة الثانية، وهي: ما إظهار الدين؟
فالجواب - وبالله التوفيق -: أن إظهار الدين على الوجه المطلوب شرعًا، تباح به الإقامة بقيد أمن الفتنة، ولا تعارض نصوص الهجرة المنوطة بمجرد المساكنة، إذ هي الأصل وإبطال دليل الإباحة، ودليل التحريم ممتنع قطعًا، فيتعين الجمع بما تقرر في الأصول، من أن العام يبنى على الخاص ولا يعارضه.
وإذا كان كذلك، فلا بد من ذكر طرف منها قبل الكلام عليها، فأقول: قد دلَّ الكتاب والسنة والإجماع، مع صريح العقل وأصل الوضع، على وجوب الهجرة من دار الشرك والمعاصي، وتحريم الإقامة فيها.
أما الكتاب، فقد قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ...} الآية [النساء: ٩٧]، وهذه الآية نص في وجوب الهجرة بإجماع المفسِّرين،