وفيها ترتب الوعيد على مجرد المقام مع المشرك، والقرآن إذا أناط الحكم بعلة أو وصف، فصرفه عنه من التأويل الذي ردَّه السلف، وقد ذم الله من أعرض عنه، فكيف بمن عارضه؟!
وقد قال تعالى:{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}[العنكبوت: ٥٦]. قال أبو جعفر ابن جرير، رحمه الله تعالى: يقول الله تعالى للمؤمنين من عباده، يا عبادي الذين وحَّدوني، وآمنوا برسولي، إن أرضي واسعة لم تضق عليكم فتقيموا بموضع منها لا يحل لكم المقام فيه، ولكن إذا عمل بمكان منها بمعاصي الله، فلم تقدروا على تغييره، فاهربوا منه ..
فمن غلَّب الحقائق وجعلها نصًا في عدم وجوب الهجرة، على من لم يمنع من عبادة ربه التي هي في زعمه: الصلاة، وما يتعلَّق بالبدن، وحمل إظهار الدين على ذلك، وفهم من قوله تعالى:{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}[العنكبوت: ٥٦]، أي: في كل مكان من دار إسلام أو كفر، فقد عكس القضية وأخطأ في فهمه.
والحق: أن الحكم فيها منوط بمجرد المقام مع المشركين، ومشاهدة المحرمات، قال ابن كثير رحمه الله تعالى، في تفسيره على قوله تعالى:{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ}[الكهف: ١٦]، وإذا فارقتموهم، وخالفتموهم بأدياتكم، في عبادتهم غير الله، ففارقوهم أيضًا بأبدانكم، فحينئذٍ هربوا إلى الكهف.
وقال في تفسير آية النساء، لما ذكر أقوال السلف في سبب
نزولها: فهذه الآية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو
قادر على الهجرة، وليس متمكنًا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه،
مرتكب حرامًا بالإجماع، وبنص هذه الآية، حيث يقول:{إِنَّ الَّذِينَ