للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

متطفلا للقعود في محرابه، لأكون متشبها بالفرسان من أحزابه، وممتصّا من بقية شرابه، وإن لم أكن من فرسان ميدانه، متمثلا بما قال الأول:

إن لم تكونوا مثلهم فتشبّهوا ... إن التشبّه بالكرام فلاح

ومتسرّقا بما قال الآخر:

تطالبني بخدمة القرآن نفسي ... وفيها قرّتا بصري وسمعي

فقلت لها: التفاسير ليس تحصى ... وما رمتيه يقصر عنه وسعي

على أنه لا يليق لتعاطيه، والتصدّي للتكلم فيه، إلا من برع في العلوم الدينية كلها، أصولها وفروعها، وفاق في الصناعات العربية، والفنون الأدبية، بأنواعها وأسرها، فتردّدت في ذلك زمانا طويلا خوفا من الدخول في قوله صلّى الله عليه وسلّم:

«من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار» وفي رواية: «من قال في القرآن برأيه» أخرجه الترمذي.

وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال في كتاب الله عز وجل برأيه فأصاب فقد أخطأ» أخرجه أبو داود والترمذي. فلما اشتد عزمي، وغلب سهري على نومي، ناداني منادي القلم، شاربا من مداد الكرم، أما تسمح أيها المهين، ويا سمي محمد الأمين، بخدمة كتاب ربك المتين، بما عندك من قطرات الفنون، فأجبته بالشروع فيها مشمّرا عن ساق الجد والاجتهاد، راجيا من الله سبحانه وتعالى المعونة والإمداد، من الفتوحات الإلهية، والفيضات الربانية، والمعارف الصمدانية، فتصديت لها بشرح يذكر تناسبه، وينقل أسبابه، ويفك تراكيبه، ويحل معانيه، ويعرّف مبانيه، ويبيّن تصاريفه، ويفصح بلاغته وفصاحته، ويكشف محاسنه وبداعته، وسميته «حدائق الرّوح والرّيحان، في روابي علوم القرآن».

والله الكريم أسأل طوله وفضله، والتوفيق لما هو المعنى عنده، وأن يجعل في عمري البركة إلى أن أكمّله، لأنه قد مضى منه معظمه، ونونه وواوه، فلم يبق منه إلا درديّه وعلله، ويصرف عني العوائق والمعائق إلى أن أتممه، إنه وليّ التوفيق، والهادي إلى أصوب الطريق.