للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإذا كانت لكن مشدَّدةً عملت عمل إن، ولم تكن عاطفة. انتهى الكلام. أي: ولكنَّ الشياطين من الإنس والجنِ الذين نسَبَوُا إلى سليمان عليه السلام، ما انتحلوه من السحر، وكتبوه، ودوَّنوه، وعلَّموه الناس، هم الذين كفروا حالة كون الشياطين {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} إِغواءً لهم، وإِضلالًا؛ أي: يقصدون بتحليمهم إياه إضلالهم عن طريق الحق، فعلَّموهم حتى فشا أمر السحر بين الناس وكَثُر.

واعلم: أَنَّهُ (١) قد جاء ذِكْرُ السحر في القرآن في مواضع كثيرة، ولا سيما في قصَص موسى وفرعون، ووصفه بأنه خداعٌ، وتخييلٌ للأعين، حتى ترى ما ليس بكائنٍ كائنًا، كما قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} وقال في آية أخرى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} والآية نصٌّ صريح على أنَّ السحر يُعلَّم، ويُلقَّن، والتاريخ يؤيِّد هذا.

والسحر (٢): إمَّا حيلةٌ وشعوذةٌ، وإما صناعةٌ، وعلمٌ خفيٌّ يعرفه بعض الناس، ويجهله الكثير منهم، ومن ثَمَّ يسمُّون العمل به سحرًا؛ لخفاء سببه عليهم، وقد روى المؤرِّخون: أن سحرة فرعون استعانوا بالزئبق على إظهار الحِبَال والعِصي بصُوَر الحيَّاتِ والثَّعابِين، حتى خُيِّل إلى الناس أنَّها تَسْعى. وقد اعتاد الذين اتخذوه صناعةً للمعاش، أن يتكلَّموا بأسماءٍ غريبةٍ، وألفاظ مبهمةٍ اشتهر بين الناس أنها من أسماءِ الشياطين، وملوكِ الجن، لِيوهموُهم أنَّ الجنَّ يَسْتَجِيبون دُعاءهم، ويُسخرِّون لهم، وهذا هو منشأ اعتقاد العامَّة أنَّ السحر عملٌ يستعان عليه بالشياطينِ، وأرواحِ الكواكب، ولمثل هذا تأثيرٌ في إثارة الوهم دلَّت التجربة على وجوده، وهو يُغْنِي مُنتحِلَ السحر عن توجيهِ هِمتِه، وتأثير إرادته فيمن يُعملُ له السحرُ، وسيأتي بَسْطهُ أواخرَ هذه الآيات {و} حالة كونهم يعلِّمونهم أيضًا {ما أنزل على الملكين} فهو معطوف على السحر؛ أي: (٣) ويُعلِّمُون الناسَ


(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) الواحدي.