والثاني: أن الذي عنده علم من الكتاب؛ وهو آصف وزير سليمان لم يكن نبيًا، وقد أحضره قبل أن يرتد طرفه إليه، كما نطق به القرآن، فدل على جواز إثبات الكرامات الخارقة للعادات للأولياء خلافًا للقدرية حيث أنكروا ذلك.
فصل
والكرامة (١): ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص صالح غير مقرون بدعوى النبوة والرسالة، فما لا يكون مقرونًا بالإيمان والعمل الصالح يسمى استدراجًا، وما يكون مقرونًا بدعوى النبوة يسمى معجزة. قال بعضهم: لا ريب عند أولي التحقيق أن كل كرامة نتيجة فضيلة من علم أو عمل أو خلق حسن، فلا يعول على خرق العادة بغير علم صحيح، أو عمل صالح، فطي الأرض إنما هو نتيجة عن طي العبد أرض جسمه بالمجاهدات، وأصناف العبادات، وإقامته على طوال الليالي بالمناجاة، والمشي على الماء لمن أطعم الطعام وكسا العراة؛ إما من ماله، أو بالسعي عليهم، أو علم جاهلًا، أو أرشد ضالًا؛ لأن هاتين الصفتين سر الحياتين، الحسية والعلمية، وبينهما وبين الماء مناسبة بينة.
وترك الظهور بالكرامات الحسية والعلمية أليق للعارف؛ لأنه محل الآفات، وللعارف استخدام الجن أو الملك في غذائه من طعامه وشرابه وفي لباسه. قال في "كشف الأسرار": قد تحصل الكرامة باختيار الولي ودعائه، وقد تكون بغيره، وفي الحديث:"كم من أشعث أغبر ذي طمرين - إزار ورداء باليين - لا يؤبه - يبالي - له لو أقسم على الله لأبره".
وكرامات الأولياء ملحقة بمعجزات الأنبياء؛ إذ لو لم يكن النبي صادقًا في معجزته ونبوته .. لم تكن الكرامة تظهر على من يصدقه، ويكون من جملة أمته، ولا ينكر كرامات الأولياء إلا أهل الحرمان سواء أنكروها مطلقًا، أو أنكروا كرامات أولياء زمانهم، وصدقوا كرامات الأولياء الذين ليسوا في زمانهم