أي: من عذاب الله، أو من جهته العزيزة، وهو جواب لئن {مِنْ وَلِيٍّ}؛ أي: قريب ينفعك ويحفظكَ منْ عَذَابِه، من الولي، وهو القرب {وَلَا نَصِيرٍ}؛ أي: ولا ناصر ينصرك ويدفع عنك عذابه، وتقدَّم لك، أنَّ الفرق بين الولي، والنصير: العموم والخوص من وجهٍ؛ لأنَّ الوليَّ قد يضعف عن النصرة، والنصير قد يكون أجنبيًّا عن المنصور، كما يكون من أقرباء المنصور، وهو مادَّة اجتماعهما، وقوله:{مِنْ وَلِيٍّ} مرفوع على الابتداء، و {لَكَ} خبره، و {مِنَ} صلةٌ، وقوله:{مِنَ اللَّهِ} منصوب المحلِّ على أنّه حال؛ لأنّه لما كان متقدِّمًا على قوله {مِنْ وَلِيٍّ} امتنع أن يكون صفةً له، ونظيره قوله:
لِمَيَّة موحشًا طللُ
والخطاب في قوله:{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ} متوجِّهٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحقيقة، وقيل: المراد به: أمّته، والمعنى: حينئذٍ إيّاكم أُخاطب، ولكم أُؤَدِّب وأنهى، فقد علمتم أنَّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قد جاءكم بالحق والصدق، وقد عصمته، فلا تتبعوا أنتم أهواء الكافرين، ولئن اتبعتم أهواءَهم بعد الذي جاءكم من العلم والبيان، ما لكم من الله من وليّ ولا نصير، وما قيل على القول الأوّل (١): من أنّه تعالى حكم بعصمة الأنبياء، وعلم منهم أنّهم لا يعصون له، ولا يخالفون، ولا يرتكبون ما نهى عنه، فكانت عصمتهم واجبةً، فلا وجه لتحذيرهم عن اتباع هوى الكفرة، فوجب أن يكون التحذير متوجِّهًا إلى الأمّة لا إلى أنفسهم، فالجواب عنه: أنّ التكليف والتحذير؛ إنّما يعتمد على كون المكلف به محتملًا، ومتصوَّرًا في ذاته من حيث تحقُّق ما يتوقف عليه وجوده من الآلات، والقوى، والامتناع الحاصل من حكمه تعالى، بعصمتهم، وعلمه بها، امتناعٌ بالغير، وهو لا ينافي الإمكان الذاتي الذي هو شرط التكليف، والتحذير، فثبت أنّ الخطاب متوجِّهٌ إليه - صلى الله عليه وسلم - حقيقةً، فلا اعتراض.
ولمَّا ذكر سبحانه قبائح المتعنِّتين الطالبين للرئَاسة من اليهود والنصارى،