للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال في "الهدي": الإحداد يستوي فيه جميع الزوجات، المسلمة والكافرة، والحرة والأمة، والكبيرة والصغيرة، قال: وهذا قول الجمهور، وأحمد، ومالك، والشّافعيّ، إلا أن أشهب وابن نافع قالا: لا إحداد على الذميّة، ورواه أشهب عن مالك، وهو قول أبي حنيفة (١)، واحتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (تؤمن بالله واليوم الآخر)، فقالوا: التقييد بالإيمان مُخْرِج للذمية، وبه قال أبو ثور، وترجم عليه النسائي بذلك، وأجاب الجمهور: بأنه ذُكر تأكيدًا للمبالغة في الزجر، فلا مفهوم له، كما يقال: هذا طريق المسلمين، وقد يسلكه غيرهم (٢).

قال في "الهدي": و"التحقيق أن نفيَ حل الفعل عن المؤمنين لا يقتضي نفيَ حلِّه عن الكفار، ولا إثباتَ الحل لهم -أيضًا-،وإنما يقتضي أن من التزم الإيمان وشرائعه، فهذا لا يحل له، ويجب على كل أحد أن يلزم الإيمان وشرائعه، لكن لا يُلزمه الشارعُ بشرائع الإيمان إلا بعد دخوله فيه، وهذا كما لو قيل: لا يحل لمؤمن أن يترك الصلاة والزكاة والحج، فهذا لا يدل على أن ذلك حل للكفار، وكما لو قال: لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانًا، وسرُّ المسألة: أن شرائع الحلال والحرام والإيجاب إنما شرعت لمن التزم أصلَ الإيمان، ومن لم يلتزمه، وخلِّي بينه وبين دينه، فإنه يخلَّى بينه وبين شرائع الدين الذي التزمه كما خُلِّي بينه وبين أصله ما لم يحاكم إلينا، وهذه القاعدةُ متفق عليها بين العلماء، ولكن عذر من أوجب الإحداد على الذميّة: أنه يتعلق به حق الزوج المسلم، فهو ملتحق بالعدّة في حفظ النسب، ولهذا لا تلزم في عدّتها من الذميّ بالإحداد، ولا يتعرض لها فيها،


(١) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (٥/ ٦٩٨).
(٢) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٩/ ٤٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>