وما تمنيت أن أكون غنياً إلاّ اليوم، لأستطيع أن أواسيها باليد والمال لا بالقلم واللسان، ولكني أديب، والأديب لا يملك إلاّ قلبه ولسانه. وهاتان كلمتان من القلب: كلمة لها هي، وكلمة للقراء.
أما الكلمة التي هي لك، فأحسب أنها تبدو للناس غريبة لأن الأدباء ما تعوّدوا أن يقولوا مثلها، لأنهم لا يجرؤون أن يعرضوا على الناس حقائق صورهم ليراها الناس كما هم، بل يعرضون صوراً محرَّرة مزوَّقة، قد بدّلها (رتوش) المصور وفنه. وقد تكون أحلى وأجمل ولكنها ليست صورهم، إنهم لا يكشفون للقراء قلوبهم لكن يعرضون عقولهم. وإن كان هذا الذي سأقوله اليوم سنّة عند أدباء الإفرنج من سنن الأدب المسلوكة، لا بدعة من البدع المتروكة.
إنها قصة ولكن لم يخترعها خيال كاتب ولم يؤلفها قلم أديب، بل ألفت فصولَها الحياةُ وجئت أرويها كما كانت. أرويها لتعلمي وتعلم كل أم بائسة وكل ولد نشأ في الفقر أن المجد والعلاء رهن بأمرين: بتوفيق الله أولاً، واللهُ يوفق كل عامل مخلص، وبالعلم والجِد ثانياً.
واسمعي الآن القصة:
كان في دمشق -من نحو أربعين سنة- عالِم جليل القدر، كريم اليد، موفور الرزق، داره مفتوحة للأقرباء والضيوف وطلَبة العلم، وموائدُه ممدودة، لمّا أضاق الناسُ في الحرب العامة الأولى وسّع الله بفضله عليه فلم يعرف الضيق، وكان من ذوي المناصب الكبار والمكانة في الناس.