وقد وضح الإمام ابن القيم شروطًا لمن يبلغ عن اللَّه ورسوله منها: العلم والصدق، لأنه لا تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق وحسن طريقة عرض السيرة، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق.
وأول من تحققت فيه هذه الشروط هو: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان الهدف من هذا الكتاب عند ابن القيم هو التأويل الصحيح لأحكام اللَّه بناءً على النصوص من كتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وفتاوى الصحابة، والخبر المتواتر ثم القياس للضرورة، وبين خطر التقليد والقول بالرأي القائم على الهوى دون اعتماد على كتاب اللَّه وسنة رسوله".
ومن الكلمات الجوامع في التعريف بهذا الكتاب ما قاله الدكتور صبحي محمصاني في كتابه "المجاهدون في الحق" (١) عند ذكره ابن القيم، قال بعد كلام:
"المهم أن نشير إلى اجتهاد ابن القيم في مسائل المعاملات الشرعية، وإلى نواحي التجدد في اجتهاده. ونحن نرى أنه كان من طبقة المجتهدين في المذهب الحنبلي، ونرى أنه برهن في ذلك على نظر ثاقب، وتفكير صائب. فاعتمد على روح الشريعة الحقيقية، وعلى حكمتها العادلة. فقال في بعض المسائل أقوالًا جريئة، لم يقل بها أحد قبله ولا بعده من الفقهاء المسلمين. وتوسع في مسائل أخرى توسعًا، يدل على مرونة الشريعة، وعلى مسايرتها للتطور والمدنية. فوصل بالنتيجة إلى تحليلات ونظريات، شبيهة بالنظريات القانونية العصرية.
ونحن لا نرى مجالًا لإيضاح جميع نظرياته وآرائه الفقهية. إنما نكتفي، على سبيل المثال، بتلخيص ما قاله في بعض المسائل المهمة الحساسة، لأجل تبيين النهج العلمي، الذي اتبعه، والنحو العادل الذي انتحاه، ولأجل إثبات أن ما وصل إليه هذا الفقيه المجدد في بعض المسائل، وهو من اتباع المذهب الحنبلي الذي اشتهر بالمحافظة الشديدة، لم يصل إليه اتباع مدرسة أهل الرأي ولا مؤسسها الإمام الأعظم.
وأهم المسائل التي أرى تلخيصها في هذا المعرض هي: محاربة التقليد والجمود، واعتماد القصد في التصرفات، وحرية التعاقد، ومنع الحيل في الأحكام، وإحياء أعمال الفضولي المحسن، والمحافظة على حقوق الغرماء، والتوسع في قواعد البينات. وإني أعتمد في هذا التلخيص، بوجه خاص، على كتاب "إعلام الموقعين"".