وسبب تقديم السجود على القول في البقرة، هو أن السياق اقتضي ذلك، فقد جاءت هذه القصة في عقب الأمر بالصلاة، قال تعالى:{وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين، أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون، واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}[البقرة: ٤٣ - ٤٥]، والسجود من أركان الصلاة، ثم أن المقام في البقرة مقام تعديد النعم، على بني إسرائيل، فقد بدأ هذه القصة بقوله تعالى:{يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين}[البقرة: ٤٧]، والسجود أفضل من قول حطة، فناسب ذلك تقديم السجود وكلا الأمرين مرفوع في الأعراف.
ومنه تقديم السماء على الأرض في قوله تعالى:{لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض}[سبأ: ٣]، وتقديم الأرض على السماء. في قوله:{وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء}[يونس: ٦١].
وسر ذلك والله أعلم، أن الكلام في آية يونس على أهل الأرض وأحوالهم وسؤونهم وأن الله عالم بهم، قال تعالى:{وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء}[يونس: ٦١]، في حين أن الكلام في سورة سبأ على الساعة والاتيان بها، والساعة إنما تأتي من السماء وتبدأ بأهل السماء، ولذا قدم السماء على الأرض، قال تعالى:{وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض}[سبأ: ٣].
جاء في (الكشاف) في قوله تعالى: {وما يعزب عن ربك من مثقال في الأرض ولا في السماء}: " فإن قلت: لم قدمت الأرض على السماء بخلاف قوله في سورة سبأ {عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض}؟
قلت: حق السماء أن تقدم على الأرض، ولكنه لما ذكر شهادته، على شؤون أهل الأرض وأحوالهم وأعمالهم، ووصل بذلك قوله (لا يعزب عنه) لاءم ذلك أن قدم الأرض على السماء" (١).