للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجاء في (بدائع الفوائد): " وأما تقديم الأرض عليها، أي السماء في قوله: {وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} وتأخيرها عنها في (سبأ) في ضمن قول الكفار: {لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض}، كيف قدم السماوات هنا لأن الساعة إنما تأتي من قبلها، وهي غيب فيها، ومن جهتها تبتديء وتنشأ، ولهذا قدم صعق أهل السماوات على أهل الأرض عندها، فقال تعالى: {ونفخ في الصورة فصعق من في السماوات ومن في الأرض} [الزمر: ٦٨].

وأما تقديم الأرض على السماء في سورة يونس، فإنه لما كان السياق سياق تحذير وتهديد للبشر، وإعلامهم انه سبحانه عالم بأعمالهم، دقيقها وجليلها، وأنه لا يغيب عنه منها شيء، اقتضي ذلك ذكر محلهم، هو الأرض قبل ذكر السماء (١).

ومنه قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء: ٣١]، وقوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم} [الأنعام: ١٥١]، فقدم رزق الأولاد على الآباء في الآية الأولى {نحن نرزقكم وإياكم}، وقدم رزق الآباء على الأولاد في الثانية، نحو {نرزقكم وإياهم} وسبب ذلك والله أعلم، أنه في الآية الأولى أنهم يقتلون اولادهم خشية الفقر، لا أنهم مفتقرون في الحال فقال: لا تقتلوهم فإنا نرزقهم وإياكم، أي أن لله جعل معهم رزقهم، فهم لا يشاركونكم في الرزق، فلا تخشوا الفقر.

وأما في الآية الثانية فهم يقتلون أولادهم من الفقر الواقع بهم، لا أنهم يخشونه فهم في حاجة إلى الرزق الآتي السريع، ليعولوا أولادهم فعجل لهم ذاك فقال: {نحن نرزقكم وإياهم}.

جاء في (بديع القرآن): " قوله تعالى في الأولى (من إملاق) ليشير إلى الخطاب للفقراء دون الأغنياء، فأوجبت البلاغة تقديم عدتهم بالرزق، وتكميل العدة برزق الأولاد .. وقال في الآية الثانية (خشية إملاق) ليشير إلى أن الخطاب للأغنياء، دون الفقراء، الذين يخافون أن تسلبهم كلف الأولاد ما بأيديهم من الغنى فوجب تقديم العدة برزق الأولاد .. فيأمنوا ما خافوه من الفقر (٢).


(١) بدائع الفوائد ١/ ٧٤
(٢) بديع القرآنل ٢٦١، تحرير التحبير ٥٦١

<<  <  ج: ص:  >  >>