والثاني- قاله أبو إسحاق: إن كانت الأرض عالية لا يطمع في سوق الماء إليها: صح العقد؛ لأنه يعلم أنه لا يكتريها للزراعة، وإن كانت مستقلة يطمع في سوق الماء إليها: لم يصح؛ لأنه يكتريها، لتوهم الزراعة مع تعذرها.
ولو اكترى أرضاً بجنب واد أو النيل يعلو عليها الماء كل سنة، ثم ينحسر فيكفي ذلك الماء لزراعة تلك السنة- نُظر: إن اكتراها بعد انحسار الماء: جاز، وإن اكتراها قبل أن يعلوها الماء: لا يجوز؛ لأنه لا يدري هل يعلوها الماء أم لا؟ إلا المد بالبصرة؛ فإنه يختلف؛ فيجوز إجارة تلك الأراضي قبل المد؛ وكذلك أراضي الجبل التي تشرب بالمطر والثلج، وإن كان بعدما علاها الماء، ولم ينحسر، ويرجى انحساره وقت الزراعة: يجوز إجارتها، إن كان الماء صافياً يرى وجه الأرض.
وإن كان كدراً لا يرى وجه الأرض: قيل: فيه قولان؛ كشراء الغائب.
وقيل: يجوز قولاً واحداً؛ لأن الماء الذي عليها من مصلحة الزراعة، وإن كانت الأرض بجنب نهر: إن زاد الماء غرقت: فلا يجوز إجارتها في وقت زيادة الماء، وبعد النقصان: يجوز، وإن كان الماء قائماً عليها: فإن كان لا يُرجى انحسار الماء: لا يجوز إجارتها، وكذلك: إن كان قد ينحسر، ولا ينحسر؛ لأن العجز يقين، والقدرة موهومة.
ولو اكترى أرضاً كراء صحيحاً، فغرقها سيل أو ما نبع منها- نظر: إن كان لا يرجى انحساره مدة الإجارة: ينفسخ العقد في المدة الباقية؛ كما لو انهدمت الدار، وإن كان يرجى انحساره فالمكتري بالخيار بين أن يفسخ الإجارة أو يجيز؛ كما ذكرنا فيما لو غصبت العين المستأجرة: فإن أجاز سقط عنه من الأجرة بقدر ما كان الماء قائماً عليها، وإن أجاز، ثم بدا له أن يفسخ: فإن كان بعد انحسار الماء: لم يكن له ذلك، وإن كان قبله: فله ذلك؛ لأنه يتضرر به كل ساعة؛ كما لو اشترى عبداً، فأبق قبل القبض، وأجاز، ثم بدا له أن يفسخ قبل عوده: له ذلك.
ولو غرق الماء نصف الأرض بعد مضي نصف المدة: انفسخ العقد فيما غرقه الماء.
والمذهب: أنه لا ينفسخ في الباقي، وهل له الفسخ في النصف الباقي فيما بقي من المدة؟
فإن أجاز، وكانت المدة لا تتفاوت في الأجرة: فعليه ثلاثة أرباع المسمى النصف لما مضى من المدة، والربع للباقي، وإن فسخ: فعليه نصف المسمى لما مضى من المدة.