فإن قلنا: مطلق العفو: لا يوجب المال، فاختلف الجاني والعافي، فقال الجاني: عفوت مطلقاً، وقال العافي: بل عفوت على الدية أو قلنا مطلق العفو يوجب المال، فقال الجاني: عفوت مجاناً، وقال العافين بل عفوت مطلقاً - فالقول قول العافي مع يمينه.
وإذا أنكر المعين العفو - فلا حكم لإنكاره في القود؛ لأن القود ساقط بإقرار المخبر، وفي الدية: القول قوله مع يمينه.
ولو شهد واحدٌ من الورثة؛ أن واحداً منا قد عفا نُظر:
عن لم يعين العافي - لا تقبل شهادته، وهو كالإقرار في سقوط القود، وإن عين العافي - نظر إن لم يكن الشاهد عدلاً، [لا] تقبل شهادته - فهو كالإقرار، وإن كان عدلاًن شهد على واحد بعينه؛ أنه عفا عن القود، والمال - يقبل، ويحلف الجاني معه، وكذلك: لو شهد رجلٌ وامرأتان منهم - تقبل.
وإنما أثبتنا بشاهدٍ وبيمينٍ، وبشاهدٍ وامرأتين؛ لان القصاص سقط بقولهم، لا على طريق الشهادة؛ ففي الخلاف في العفو عن الدية، والعفو عن المال - يثبت بشهادة رجلٍ وامرأتين، وبشاهدٍ ويمينٍ؛ فإن ادعى الجاني العفو عن القود، ولم يقر أحدٌ من الورثة - فالقول قول الورثة مع اليمين، فلو أقام الجاني شاهدين على العبد - يسمع، ولا تقبل إلا شهادة عدلين؛ لأنه شهادة على غير المال، فإن أقر الوارث بالعفو، وقال: عفوت على المال، وقال الجاني: بل مجاناً، أو قال الجاني عفوت مطلقاً، على قولنا: إنه لا يوجب المال -فالقول قول الوارث مع يمينه، فلو أقام الجاني شاهداً، وحلف معه، وأقام رجلاً وامرأتين على ما يدعيه - يُسمع.
ثم الشافعي - رضي الله عنه - ذكر أنه إذا شهد واحدٌ من الورثة؛ أن واحداً منا قد عفا، [و] عينه - يحلف الجاني مع الشاهد؛ لقد عفا عن القود والدية؛ وقال أصحابنا: يكفيه أني حلف؛ لقد عفا عن الدية؛ لأن القصاص ساقط بشهادته؛ فلا يحتاج أن يحلف عليه، وتأولوا كلام الشافعي -رضي الله عنه- على أن الجاني ادعى كذلك، وأجاب المدعي عليه على حسب دعواه؛ أنه ما عفا عن القود والدية؛ [وحلف على حسب جوابه، فلو حلف على مجرد العفو عن المال - جاز].