حتى لو طلبا الحكم وحكم ثم لم يرض أحدهما، لا يلزم؛ فكما يعتبر رضاهما في الحكم، يعتبر رضاهما في لزوم الحكم.
والقول الثاني: يلزم بنفس الحكم؛ لأن من جاز حكمه، لزم حكمه؛ كالقاضي فإذا امتنع أحدهما قبل الحكم، لا يجوز له أن يحكم؛ حتى لو أقام المدعي شاهدين بين يدي المحكم فقال المدعى عليه: عزلتك، لم يجز الحكم، ويجوز للمحكم أن يشهد على شهادة الشاهدين.
فإن قلنا: يجوز التحكيم، اختلف أصحابنا فيما يجوز فيه التحكيم:
منهم من قال: يجوز في كل ما يتحاكم فيه الخصمان؛ من: النكاح، واللعان، والقصاص، وحد القذف، وما يجوز للقاضي أن يحكم فيه، لأنه لما جاز في بعضه، جاز في كله.
ومنهم من قال: لا يجوز إلا في الأموالح لأن حكم المال أخف من حكم غيره، وسائر الحقوق يبنى أمرها على الاحتياط؛ فلا يتولاها إلا من نصبه الإمام.
أما العقوبات التي هي حقوق الله- تعالى- فالمذهب: أنه لا يجوز فيها التحكيم.
فصل في عزل القاضي
إذا مات الإمام الأعظم، أو والي الإقليم، لا ينعزل القضاة، وكذلك إذا مات القاضي لا ينعزل القوام الذي بين يديه.
وهل ينعزل مكاتبه؟ نظر: إن كان في أمر خاص من بيع أو نحوه، ينعزل؛ كالوكيل ينعزل بموت الموكل. وإن كان مكاتباً في قرية، ففيه وجهان.
ولو أن الإمام الأعظم عزل قاضياً، أو القاضي عزل نفسه؛ نظر: إن لم يكن ثم من [لا] يصلح للقضاء لا ينعزل، وإن كان نظر: إن كان أصلح منه ينعزل، وإن كان مثله ففيه وجهان:
أحدهما: لا ينعزل؛ لأنه لا عذر لعزله.
والثاني: ينعزل؛ لأنه ربما علم من باطنه أنه لا يصلح للقضاء.