الغيبة والانقطاع والامتناع طريقاً إلى إبطال الحقوق التي نصب الحكام لحفظها.
وإن كان المدعى عليه ظاهراً في البلد، يمكن إحضاره، أو كان غائباً إلى مسافة قريبة- فالصحيح من المذهب: أنه لا يجوز القضاء عليه، وسماع الدعوى من غير إحضاره؛ لأنه إذا أحضره، ربما يقر؛ فيكفيه مؤنة سماع البينة والتعديل؛ ومبنى القضاء على الفصل بما هو الأقرب.
ومن أصحابنا من قال: يجوز القضاء عليه وسماع الدعوى من غير إحضاره؛ لأنه إن كان منكراً فهو قضاء على المنكر، وإن كان مقراً فالبينة تقوي إقراره؛ حتى قال هذا القائل: لو كان حاضراً في مجلس الحكم، يجوز للقاضي أن يسمع البينة عليه، ويقضي من غير أن يسأله. والأول المذهب.
فإن قلنا: لا يجوز القضاء عليه في غيبته إذا كانت المسافة قريبة، واختلفوا في تلك المسافة: منهم من قال: ما دون مسافة القصر، ومنهم من قال: أن يكون على مسافة لو خرج بكرة يمكنه أن يأتي أهله ليلاً، وإن كان فوق ذلك يجوز القضاء عليه؛ كما لو كان على مسافة القصر؛ لأن في إحضاره مفارقة الأهل بالليل؛ فحيث جوزنا القضاء على الغائب فهل يشترط في سماع الدعوى أن ينصب الحاكم مسخراً ينكر عن الغائب؟ فيه وجهان:
أحدهما: يشترط حتى يقيم البينة على إنكار منكر.
والثاني- وهو الأصح-: لا يشترط؛ لأن المدعى عليه ربما يكون مقراً؛ فيكون إنكار المسخر كذباً.
ويشترط أن يقول المدعي في الدعوى: لي على فلان كذا؛ وهو منكر، فإن لم يقل: هو منكر بل قال: لا آمن أن ينكر- لا تسمع منه.
فإذا ادعى على الغائب مالاً وأقام عليه بينة، يعدل القاضي البينة، ويحلف المدعي بعد تعديل البينة؛ أنه ما أبرأ المدعى عليه، ولا عن شيء منه، ولا استوفاه ولا شيئاً منه ولا أحال عليه أحداً ولا بشيء منه، وإنه لثابت عليه الآن. ولو اقتصر على قوله: إنه لثابت عليه، كفى. وإنما حلفناه؛ لأن المدعى عليه لو كان حاضراً وادعى شيئاً من هذه الأشياء- كان له تحليفه.
وكذلك لو كان في القضاء على المجنون والصبي والميت، يحلف المدعي مع البينة. وإن كان للميت وارث، كان التحليف بمسألته، وإن لم يكن له وارث حلفه القاضي، ثم بعد ما حلفه يحكم به.
ويجوز القضاء على الغائب بالشاهد واليمين؛ لأن كل حجة جاز الحكم بها على