للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

امّا بعد: وفقنا الله وإيّاكم فإنّا نستفتح المجالس بذكر الله العظيم، لنطرد به العويَ الرجيم، ونخرج به من زمرة الغافلين، ونهتدي به إلى الصراط المستقيم، والمنهج القويم، فنقول إذ ذاك بسم الله الرحمن الرحيم، اسم عزيز، بسم الله كلمة السلامة، بسم الله كلمة الكرامة، بسم الله إذا مرّ على القلوب المريضة شَفاها، وإذا نَظَر إليها بعين العناية بلّغها مناها، اسم بذكره يستأنس المستوحشون، بسم الله الرحمن الرحيم أسكر العقول وأحيا القلوب، كاسات هذا الاسم دائرة، فأين القلوب الحاضرة، عَجَباَ لبقاء هذه النفوس عند دَوَران هذه الكؤوس، عَجَباً كيف تبقى الأرواح في الأشباح عند ذكر الملك الفتّاح، لو أدير هذا الكأسُ على جبل أبي قبيس لَسَكَرَ سُكْرَ قيس، لولا استتار الحقيقة بستر لطيف عن العبأد، لم تثبت عند ذكره الأرواح في الأجساد، لمن لا تليق به الأشياء والأنداد، هذه كؤوس بسم الله تُدار مَنْ يشرب؟، هذه حُداةُ الذكر تُغَنَي فأيْنَ من يطرب؟ هذه حمائم الاشتياق تنوح فأين من قلبه بالفراق مجروح؟ من لم يتطيّب بعرف هذا الوادي فلا طيب له في هذا الناديْ.

خليليَّ إن الجزع أضحى تُرابُهُ ... من الطيب كافوراَ وعيدانهُ رَنْدا

وأصبح ماءُ الجزع عَذباَ وأصبحت ... حجارتُه مِسْكاَ وأوراقُهُ وَرْدا

وما ذاك إلاّ أَنْ مَشَت بجنابه ... كل بثَيْنَةُ في سربِ فَجَرَّتْ به بُرْدا

فأهدت لنا من عطفها يوم سَلَّمَتْ ... نسيماً كريح المسك زدنا به وَجْدا

قال سهل بن عبد الله: ما من يوم إلاّ والجليل سبحانه ينادي: ما أنصفتني عبدي أذكرك وتنساني، وأدعوك إليَّ فتذهب عنّي إلى غيري، وأذْهِبُ عنك البلايا، وأنتَ مُعتكف على الخطايا، يا ابن آدم ما اعتذارك غلي اً إذا جئتني؟.

ما زلتَ دهراَ للقلى مُتَعَرَّضاَ ... ولطالما قد كنتَ عنا معْرِضا

جانبتنا دهراَ فلما لم تجد ... عوضاً سوانا صرت تبكي ما مضى

لو كنتَ لازمتَ الوقوفَ ببابنا ... لَلَبِستَ من إحساننا خِلَغَ الرضا

لكن هجرتَ حقوقنا وتركتَها ... فلذاك ضاق عليك متَّسع الفضا

مَنْ ذا يُطيقُ صدودنا أو منْ لَهُ ... صبر على سيف الصدود المُنْتَضى

يا هذا جَدَّ العارفون وهزلتَ وصعدوا في طلب المعالي ونزلتَ؟ !

حَدوا عَزَماتٍ ضاقت الأرضىُ دونَها ... فصار سُراهم في ظهور العزائم

لاحَ لهم عَلَمُ الوصال فنفضوا مزاود الركائب فصاح المحبّ: هبّت لنا من رياح الغدير رائحة:

تَمُرُّ الصبا صَفْحاَ بساكن ذي الغَضا ... وَيصْدَعُ قَلْبِي أَن يَهبَّ هُبُوبها

قريبةُ عَهْدٍ بالحبيبِ، وإنَّما ... هَوَى كُل نَفْسِ حَنثُ حَلَّ حَبِيبُها

وما هجرتكِ النفسُ أنَكِ عندها ... قليل، ولكن قَلَ منكِ نصيبُها

ولكنهم يا أجمل الناس أولعوا ... بقولٍ اذا ما جئتُ: هذا حبيبُها

يا هذا تتوجه إلى الحبيب ومعشوقتك الدنيا؟ !

طَهِّر خِلالَكَ من خِلّ تُعابُ به ... من الدنيا بالبِرّ والبَرّ والبُرَّ

قد وافقوا الوحشَ في سكنى مرابعها ... وخالفوها بتفويض وتطبيبِ

نافرهم النومُ وخالفهم السهرُ، فهربوا من كرب الوجد الى نسيم الصبا.

يا لنَسيمِ سَحَرٍ بحاجرٍ ... روَّت به ريحُ الصَبا عَهْدَ الصَبا

السَحَرُ ربيعُ الأحباب وريحُ الربيع عبير، إذا جالت رياح الأسحار في صحراءِ التعبّد حملت ارائج أزاهر القلوب.

" تؤدي صباها ما تقول خزاماها "

إذا هَبَّ من وادي العقيق نسيمُ ... يذكّرني عهد الصبا فأهيمُ

وإنْ لَمَعَتْ نار على ابرق الحمى ... دعاني هوىَ في القلب منكِ قديمُ

وأصبو لخفّاق النسيم إذا سرى ... وسوقي لسُكّان الغوير عظيمُ

وإني إذا ما مَضَني الشوقُ والأسى ... رحلتُ وقلبي في الديار مقيمُ

أوحى الله - عز وجلَ - إلى داود - عليه السلام -:

<<  <   >  >>